استشهاد سماحة السيد.. بين الصمت والتشرذم
خاص غلوبال – زهير المحمد
لم يستشهد قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله إثر القصف الإسرائيلي، بل جاء استشهاده بفعل الصمت العربي المطبق، وخاصة بعد استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية المحتلة.
ولهذا الصمت العربي أسباب ودوافع كما للعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان دوافع وأسباب، فبعض القوى العربية تطمح للتطبيع بعد أن فشلوا في توحيد رؤاهم وأفكارهم تجاه فلسطين باعتبارها قضيتهم المركزية، فخرجت من سلم أجندتهم لأسباب عديدة، وفي المقابل لم يتخل الكيان الصهيوني عما يتطلع إليه من فرض وجوده على أرض الواقع، ولعل أحد أهم الأسباب هو عجز الدول العربية عن التركيز على القضية الفلسطينية، وبالتالي تبني الصمت تجاه المجازر الصهيونية، والسقوط في براثن النزعات واتساع الفجوة بين الرأي العام العربي والإسلامي.
لقد عمل الإعلام الغربي والصهيوني على تكريس نظرية الطائفية في أذهان العرب والمسلمين ليمنع الوحدة بين دولهم، وبات عدد من أبناء الشعوب العربية والإسلامية يؤمنون بمثل تلك النظرية دون وعيهم بجذورها ودوافعها وتداعياتها على المسلمين أنفسهم، ما يهدد بتشظي الأمتين العربية والإسلامية، الأمر الذي ساهم وساعد الكيان الصهيوني بالتمادي في جرائمه.
أما السبب الآخر في الصمت العربي المتواصل فيتثمل في ظروف تلك الدول العربية فكرياً وثقافياً وسياسياً، بعد إضعاف القدرات السياسية والعسكرية للدول العربية إلى أبعد الحدود، وإشغال الجيوش الوطنية بحروب ضد تنظيمات الإرهاب، ناهيك عن سرقة ثرواتها لجعلها دولاً منهارة، وإشغالها أكثر بشؤونها المحلية.
وإذا كان الغرب يركز في المنهج الأول على الغزو العسكري للدول العربية، ففي المنهج الآخر تبنى الغرب سياسة الغزو فكرياً وثقافياً، حيث اتخذ مثل تلك المنهجية إزاء دول أخرى من الدول العربية وبالتحديد دول الخليج، ومن هنا نجد أن الإنسان العربي في تلك الدول منشغل باستيراد واستهلاك أحدث الإنجازات والأدوات الغربية.
وبات الإنسان العربي في تلك الدول مفرغاً من موروثه الحضاري والثقافي والديني، ومثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكون مهتماً بقضايا تتطلب المزيد من التفكير والعمل والنضال، وبالتالي غابت مفاهيم مثل “المقاومة والنضال والتحرر والحرية” عن قواميسهم، وللأسف فإن تضافر هذه العوامل يسهل تفتيت الأمتين العربية والإسلامية وضرب الحركات المقاومة للاستعمار الغربي، وبالتالي تسهيل فرض الوجود الصهيوني في قلب الأراضي العربية كواقع لابد من الاعتراف به.
ورغم العجز والفراغ الحضاري والديني والفكري الذي تحاول تكريسه الولايات المتحدة وإلى جانبها الكيان الصهيوني في معظم الدول العربية، حافظت أغلبية الشعوب العربية والإسلامية على إرثها الحضاري والفكري، ولم ترضخ لمثل تلك المنهجيات، وسعت على مدى عقود لاستنهاض الأمة في مواجهة المخططات الغربية والصهيونية، وتجسدت تلك الأغلبية بمظاهر عدة، حيث يمكننا التطرق إلى حزب الله اللبناني كأنموذج هام ومثال على أبرز حركات المقاومة إقليمياً ودولياً، حيث خاض على مدى أكثر من أربعة عقود معارك مع الكيان الصهيوني استطاع من خلالها استعادة الأرض، وأظهر أنه يمكن الصمود والوقوف أمام المد الاستعماري الذي يتغذى من الرؤية الشوفينية المعادية للشعوب المسلمة في الشرق الأوسط؛ فحزب الله لم يكن وليد الساعة، وإنما جاء في إطار رؤية حق الدفاع عن النفس والتصدي لتمدد الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط.
إذاً استشهاد السيد حسن نصر الله لا يمكن أن يكون نصراً للكيان الصهيوني، وإنما يظهر مدى حاجة متزعميهم إلى استعادة ما انتزعه السيد نصر الله منهم، وهو أسطورة “الردع” وخرافة “الجيش الذي لا يقهر”.
فرغم الإمكانات المتواضعة للمقاومة اللبنانية أمام أحدث المعدات والتقنيات الصاروخية والعسكرية في الكيان الصهيوني، استطاع الحزب على وجه عام والسيد حسن نصر الله على وجه خاص أن يرسخ رؤية المقاومة والنضال والجهاد في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، ولذلك يقف الكيان الصهيوني اليوم أمام معادلة لا يستطيع التخلص منها وبات يتشبث بالاغتيالات والإجرام والمجازر ليشفي غليل صدره من الحقد، لكن ما أبعد الغاية وما أصعب المنال.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة