العقوبات تطيح بالدولار
خاص غلوبال ـ علي عبود
باستثناء قلة من “المضللين” الذين ينتحلون صفة “خبير اقتصادي” فإن الأكاديميين في الجامعات الغربية، ومراكز البحوث الدولية، وحتى المؤسسات المالية المرتهنة للأمريكان..الخ، يُجمعون إن عرش الدولار الذي حكم العالم منذ أربعينيات القرن الماضي بدأ يهتز مع بداية القرن الواحد والعشرين، وتحديداً بعد فرض العقوبات على دول قوية كروسيا والصين.
ولعل العملة الجديدة التي سيقرها اجتماع دول البريكس في تشرين الأول القادم ستكون بمثابة الضربة القاضية للإطاحة بالدولار، وهو الأمر الذي لم تتوقعه أمريكا ولم تحسب له أيّ حساب باستخدامها لعملتها كسلاح اقتصادي لزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى في الدول المناوئة لسياساتها والرافضة لهيمنتها.
لقد توقعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تسحق عقوباتها غير المسبوقة على روسيا الروبل، لكنها فوجئت بأن الروبل كان العملة الأفضل في عام 2022، وخاصة بعد أن قررت موسكو بيع النفط والغاز لأوروبا بالعملة الوطنية أي الروبل.
ولم تكن روسيا الوحيدة التي قررت التخلي عن استخدام الدولار كلياً مع الصين، وجزئياً مع دول أخرى، فدول أمريكا اللاتينية بدأت تعتقد خلال السنوات القليلة الماضية أنها لم يعد بإمكانها الاعتماد على الدولار، وبدأت تنسج علاقات مع الصين لاستخدام العملات الوطنية أو الرقمية بديلاً عن الدولار.
ومن كان لايُعول كثيراً على قدرة منظمة شنغهاي وتجمع بريكس وغيرها من الدول بمواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية، فوجئ بأن هذه الكتل تتجه سريعاً للتخلي نهائياً عن الدولار بتعزيز قوة عملاتها الوطنية؟.
وإذا كانت أمريكا استمدت قوتها وفرضت هيمنتها على اقتصاد العالم منذ عام 1973، من خلال بيع وشراء النفط حصرياً بالدولار، فإن روسيا والصين وجنوب إفريقيا وفنزويلا، كسرت هذه القاعدة وقررت بيع وشراء النفط والغاز بعملاتها الوطنية موجهة رسالة شديدة اللهجنة رداً على العقوبات الأمريكية: وداعاً للبترودولار.
نعم، لقد أيقظت العقوبات الدول القوية واكتشفت أنها يمكن أن تتبادل تجارتها بغير الدولار.. هل في الأمر مبالغة؟،
كلا، لقد كانت نسبة المبادلات التجارية العالمية بالدولار لعدة عقود لاتقل عن90 %، فانخفضت حالياً إلى مادون الـ 60 %!
ولأول مرة تكتشف الحكومات الغربية أن عقوباتها على روسيا والصين وإيران، ارتدت عليها أيّ أثّرت على الدولار والجنيه الإسترليني واليورو الأوروبي والمارك الألماني.
ولا توجد مبالغة عندما يؤكد أكاديميون ومراكز بحوث غربية بالنتيجة التي استخلصوها: نحن على مشارف عصر التحول عن الدولار.
نعم، من كان يتصور مثلاً أن السعودية ستتفاوض مع الصين حول إمكانية التداول بالعملة الصينية على نحو علني وبأن أعضاء مجموعة البريكس يتطلعون للتخلص من قبضة الدولار الخانق؟.
الخلاصة: إن حصة الدولار من الاحتياطي العالمي التي انخفضت خلال عقدين من 90 % إلى 60 %، ستنخفض أكثر وبسرعة في الأعوام القليلة القادمة نتيجة التطورات الجيوسياسية، وخاصة بعد الإعلان المرتقب لمجموعة بريكس في اجتماعها القادم عن عملة جديدة للتبادل التجاري بين دولها من جهة، ومع مختلف دول العالم من جهة أخرى، وتحديداً الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية، وهذا يعني أن المواجهة القادمة بسرعة ستكون بين كتلة اقتصادية تتراجع هيمنتها تدريجياً محورها الولايات المتحدة، وكتلة يتسع نفوذها بسرعة محورها الصين.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة