انتخابات الغرب هل ستحل مشكلات الإقليم؟
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
يبدو أن الانتخابات الأمريكية القادمة لن تأتي بجديد ينعكس إيحاباً على السلم الدولي، سواء انسحب بايدن بضغط من المتنفذين في الحزب الديمقراطي، أم لم ينسحب، وسواء فاز بدورة انتخابية ثانية، أو خسر أمام منافسة الجمهوري ترامب، حيث تشير الوقائع إلى أن التنافس هو بين سيىء وأسوأ.
فالتنافس جارٍ بين من يشكّ الأمريكيون بقواه العقلية، وبين آخر ملاحق بعشرات الجرائم أمام القضاء الأمريكي، وحتى المناظرات والوعود الانتخابية كلها مظاهر لا تمسّ جوهر السياسة الأمريكية الفعلية، ولا تمسّ توجهاتها الاستراتيجية العامة التي تعطي الاهتمام الأبرز لدعم إسرائيل، بالمال والسلاح حتى يستمر تفوقها الساحق على دول الإقليم، والسيطرة على منابع النفط، والتحكم بأسواق الطاقة، وكذلك على المواقع الإستراتيجية في البر والبحر، مع التظاهر بنشر الديمقراطية من خلال إفشال التجارب الديمقراطية الحقيقية في دول العالم، إضافة إلى خلق بؤر التوتر، والحرص على منع الحلول السياسية للحروب والأزمات، وإدارة وتوظيف الإرهاب بما يخدم مصالح أمريكا تحت ستار مكافحة الإرهاب، وإضعاف دول العالم من أصدقائها ومناوئيها على حدّ سواء بإشعال الحروب والنزاعات أو عبر سياسة فرض العقوبات.
هذه حقائق بات يعرفها الجميع، ولهذا نجد تغييراً ولو بشكل طفيف في تعاطي دول الشرق الأوسط مع أزماتها وتحسين العلاقات البينية، بل باتت بعض دوله تستغل الانشغال الأمريكي في نشر الغسيل المتسخ للمرشحين لتفتح صفحة جديدة مع دول الجوار.
وفي هذا السياق نذكر الموقف السعودي الإيجابي من انتخاب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، حيث سارع الملك سلمان وولي عهده لتهنئته، وهذه التهنئة قد تتجاوز التهاني البروتوكولية التي تلقاها الرئيس الإيراني من معظم دول العالم؛ لأنها تعني أن المملكة جادة في تطوير العلاقات الثنائية بعد عقد من الزمن حاولت فيه أمريكا أن يتحول الخلاف بين البلدين إلى مواجهة عسكرية تدخل، إسرائيل، فيها عبر حلف ضد إيران، لكن هذا الرهان قد سقط فعلياً من خلال تطوير العلاقات بين السعودية وإيران، وبشكل يعتبر كسباً إستراتيجياً لدول الإقليم.
حتى تركيا تحاول التملص من التبعية الأمريكية سواء بتطوير علاقاتها مع روسيا- رغم أنها عضو في حلف النيتو- أو من خلال تغيير سياستها الخارجية على طريق إصلاح الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبته في محاولاتها السابقة لإسقاط الدولة السورية، حيث تحاول الآن إعادة العلاقات مع سورية كما كانت قبل الأزمة لأنها تأكدت من أن أمريكا تدعم الميليشيات والأحزاب الكردية الانفصالية التي تهدّد الأمن القومي التركي.
كما تجدر الإشارة إلى أن مصر تدرك أيضاً أن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وانخفاض عائدات قناة السويس هو بسبب دعم أمريكا لإسرائيل، وعدم الضغط عليها لوقف حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني منذ تسعة أشهر ونيف، ومن جهةٍ ثانية لا تستبعد مصر الأصابع الأمريكية- الإسرائيلية في تعقيد الخلافات المائية بينها وبين جارتها إثيوبيا على خلفية سدّ النهضة.
بعد كل ما ذكر يمكننا القول، إن الانتخابات الأمريكية ربما تقدّم شيئاً للمواطن الأمريكي على صعيد الملفات الداخلية، وكذلك الانتخابات التي تجري في دول أوروبية عديدة- سواء ربح فيها اليمين المتطرّف أم اليسار- فإن دول العالم الثالث ودول الإقليم لن تحصد من مراهناتها على تداول السلطة بين الديمقراطيين والجمهوريين في أمريكا، أو بين اليمين واليسار في أوروبا سوى السراب.
وبالتالي فإن الخيار الوحيد أمام هذه الدول هو أن رأب الصدع في العلاقات البينية، والبحث عن القواسم المشتركة التي تحقق المصالح وتعزز الأمن الإقليمي، وعليها أن تتخلى عن التبعية العمياء لسياسة الاستباحة الأمريكية.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة