مغترب عاد، فوصفوه بالمجنون
خاص شبكة غلوبال الإعلامية
أحد الأصدقاء ممن يعيش في الغربة، و تدور في ذهنه خواطر يومية لا تحصي، هل سيعود لبلده مرة أخرى؟ يسألني سؤالا شبه يومي عن حال البلد الذي يشتاقه وينتظر اليوم الذي يعود إليه، فأحتار بما أجيبه، هل أحدثه أن البلد بخير وأن كلّ شيء على ما يرام لأهوّن عليه غربته أم أحدّثه عن حال الناس والبلاد التي باتت على شفا حفرة، وبات همّ مواطنيها الوصول إلى لقمة عيشهم إن استطاعوا إليها سبيلا، وأمام هذا أقف دائما عاجزة عن الإجابة التي ينتظرها وأقول فقط “الحمدالله”! وعلى الرغم من أنني أعلم أن الإجابة حاضرة لديه ويعلم الحال من اهله إلأ أنه ينتظر أملا جديدا كل يوم يقلّه لذكرياته التي أجبرته الظروف على تركها.
يسألني هل تنصحيني بالعودة، وهنا تكمن الطامّة، هل أقول نعم أو لا؟ وكيف يمكنني الإجابة على هكذا سؤال يحمل مصير إنسان اغترب لتأمين مستقبله؟ وكيف ذلك وقد شهدت على أشخاص يعودون تباعا بعد سنين غربة، والشئ المحزن أن الناس هنا يتعاملون مع أي مغترب عائد وكأنه يحمل “خاتم سليمان” وقادم من بلاد الـ”واق واق”.
كنت في زيارة مؤخراً لأحد الأقرباء عاد لتوّه من الغربة التي امتدت لأكثر من عشرين عاما، فحدّثني عن حزنه وفرحه في آن واحد، قال لي: عندما حطّت قدماي مطار دمشق شعرت وكأنني امتلكت الدنيا، ركبت التكسي وعندما وصل مقصدة وسأل عن الأجرة، قال لي ماذا يحدث أجرة التكسي عادلت أضعاف راتبي قبل أن أسافر بعشرات المرات؟
حدثني عن رحلته مع شوفير التكسي، وهنا نسرد بعض ما قاله له:
“أنت شو رجعك عالبلد لك أخي مو عرفان شو صاير فينا، ليش تركت العز والمصاري والأمان ورجعت لهون، ماعم تسمع عن مشاكل الناس هون، لك عمي الناس هون جاعت، لا مي ولا كهربا ولا خبز ولا غاز ولا مازوت ولا بنزين، لك شايف حتى الخبز صار حلم بالنسبة النا، لك كل الشباب صار هما تسافر، لاعد حدا تزوج ولا شي، لك يا أخي البلد مشلول مشلول بكل شي، العقوبات هدتنا، مو بس العقوبات هالحرب عرّت العالم وصار الفساد مجاهرة وماعد حدا خاف، شو بدي احكيلك يا اخي، الله يساعد هالعالم”.
كل يوم بجي على هالمطار، بستغرب من الناس الراجعة عالبلد وبسمعن قديش بيحكو عن بلاد برا، بيحكولي قديش رواتبكن عالية كتير بتقبضو بالملايين بالشهر، والكهربا بتضل جاي عندكن، و كلو بالنظام، مافي زحمة، في قواعد لكل شي، ايمتا بتفتح المحلات وايمتا بتعطل العالم وايمتا بتطلع مشاوير، يا اخي والله النظام حلو، الولاد من لما بكونو صغار مستقبلن مأمن، ايييه نيالكن، الله يطعمنا متل ما طعمكم”.
تابع حديثه بحسرة: “عندما وصلت القرية، دهشت بما سمعت، وبدل ان أسمع كلمات “الحمدالله عسلامتك”، “الجميع يقول: ليش رجعت، مجنون أنت لترجع حدا بيعمل عملتك، الله يسامحك ليش رجعت”، أسفت لما أسمع، شعرت بغصة لحجم ما آل إليه حال الناس، قديش صارت القلوب قاسية، وقديش الحرب غيرت البشر”.
يتابع حديثه: “القصة مو بس هيك، مابعرف ليش الناس مفكرة العايشين برا انن بجنة، وانو المصاري بايدين متل المي، ياجماعة والله مافي شي من هاد، نحنا المصاري اللي بناخدا بس بتخلينا نعيش مرتاحين، واللي بنوفروا هوي حكما بكون على حساب رفاهية ممكن نعيشا، برا كل شي بنظام اذا انت بتخالفو على مستوى الطلعة والفوتة من البيت بتتخالف وبتتعاقب، مافي هي الحرية والمساحة اللي الناس مفكرتا، كل شي بحقو وعليه ضريبتو، وصدقوني كتار كتير من اللي برا بس لانو خافوا عولادن بقيو والا رجعو من زمان”.
“أنا أكيد بعرف وضع البلد لما رجعت، وبعرف الناس كيف عايشين، بعرف الظرف الصعبة اللي وصلتلو البلد والناس، بس صدقوني ما في شي بعوص عن شي، كل اللي برا بحاجة للحظة أمان افتقدوا مع أهلن وناسن، صدقوني، أنا رجعتي لأهلي وناسي رح تحييني، بالعكس، رغم كل شي، مو كل شي بالحياة بينشرا بالمصاري، في شغلات بالحياة مابتتعوض بكنوز، وشوفة الناس الطيبة والحياة رغم انا صعبة بالبلد اي، بس صدقوني نحنا كتير أحرار، كتير عنا مساحات لقصص ممكن نعملا بحياتنا بالبلد ومو متاحة لالنا برا”.
وبنهاية الحديث حكا جملة بتلخص كل شي، قلي: “للأسف كل الخيارات صعبة، سواء اخترت تضل برا أو ترجع، الـ2 هنن مصير حياة وبجوز عيلة وولاد وأمان وكل شي، بس ماحدا بياخد خيار ممكن يضرو متل ما الناس مفكرة “انو رجع” الا بكون وصل لمكان ماعد ملاقى حالو فيه يا بضل ميت يا بعيش من جديد”.
وللتنويه فقط، القصة من بلد يقع في أقاسي الكرة الأرضية وأي تشابه بالحدث فهو من محض الصدفة لا اكثر.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة