آلية تسعير “لا غالب ولا مغلوب”
خاص غلوبال – سامي عيسى
نريد اليوم الكتابة عن موضوع ليس بالجديد، بل هو “القديم الجديد” المتجدد باستمرار، حمال أوجه مختلفة، ومتغير يقلق المواطن والفعاليات التجارية على السواء، وقبلها أهل الرقابة وجهازها الذي يسعى للسيطرة على هذا المتغير، والذي يحمل كل حيثياته “آلية تسعير” تبتعد في مضمونها عن الواقع بفعل ظروف متحكمة بها خارجة في معظم الأحيان عن إرادة الجميع، بسبب تأثيرات الحرب الكونية، والحصار الاقتصادي الذي يمنع أسباب الاستقرار، وضبط حركة الأسواق وإنسياب السلع فيها.
وبالتالي ما يحدث في الأسواق المحلية من تقلبات سعرية على مدار الساعة، يثير الاستعراب، والكثير من الأسئلة التي يصعب الإجابة عنها، وخاصة أن هذه التقلبات “بفعل فاعل” ترعاه بعض الفعاليات التجارية على اختلاف شرائحها مستغلة اختلاف النشرات السعرية التي تصدرها مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات بصورة شبه يومية، عن واقع الأسعار في الأسواق وخاصة لجهة المواد والحاجات الأساسية للمواطنين، من مواد استهلاكية مباشرة كالغذائيات واللحوم والبقوليات، والحبوب والمواد الأساسية كالسكر والرز، والتي تظهر نشرات التموين هذا التباين فيما بين التسعير الإداري، وما هو موجود على أرض الواقع، وبالتالي حالة الاختلاف هذه مستمرة منذ زمن، وليست وليدة الأزمة الحالية، لكنها طفت كثيراً على السطح، وتشعبت خيوطها، وكثر فاعلوها مستغلين حاجة المواطنين، في ظل ظروف معيشية صعبة، وتداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني، هي الأخطر في تاريخ الاقتصاد السوري.
وبالعودة الى آلية التسعير التي تتم من قبل الجهاز الرقابي، في غالبيتها ضمن الإطار الصحيح والتي تتم وفق متغيرات السوق، من حيث دراسة واقع التكلفة لأي مادة مطروحة في الأسواق، سواء كانت مستوردة وفق بيانات رسمية، تعتمد عليها في عملية التسعير أم مواد وسلع ذات منشأ محلي تقوم مديريات حماية المستهلك بدراسة تكاليفها الفعلية من خلال سحب العينات من الأسواق، أو من خلال مواقع الإنتاج بصورة مباشرة، ووضع التسعيرة المناسبة وفقاً لها، بما يحقق التوازن قدر الإمكان، مابين المنتج والمستهلك، وفق رؤية تحافظ إلى حد ما على مصلحة الطرفين.
لكن ما يحصل على أرض الواقع حالة تباين واضحة، في أسعار المواد المطروحة في الأسواق، والنشرات التموينية، وحدوث فجوة كبيرة بهذا الاتجاه، تثير تساؤلات كثيرة تتعلق بكيفية آلية التسعير، ليس لحالة الضعف وعدم القدرة على امتلاك أدوات القوة، وإنما الأمر يتعلق بالتغييرات المستمرة على الأسواق، من ارتفاع للتكاليف في مستلزمات الإنتاج، والخدمات المرافقة ناهيك عن ظروف الحرب والعقوبات الاقتصادية، التي فرضت حالة تشوه واضحة على البنية السعرية، نتيجة ارتفاع تكاليف المستلزمات السلعية، وخاصة التي تدخل ضمن إطار السلع ذات الحاجة الاستهلاكية المباشرة للمواطن، والتي لا يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي هذا الأمر سمح بوجود طبقة من بعض التجار تستغل ذلك، وتفرض أسعاراً بصورة مختلفة عما هو في الواقع، وظهور حالة تباين واضحة في الأسواق، تتفاعل بصورة أسرع من إمكانات الجهاز الرقابي، وحتى التسعيري وإمكانية ضبط المخالفات بالصورة المطلوبة.
وتالياً كل ذلك يفرض على حماية المستهلك رسم سياسة جديدة تستطيع من خلالها معالجة الخلل وفق الأصول القانونية، وبما يسمح التماشي مع التطورات اليومية للأسواق، بقصد الوصول إلى حالة تسعير تحقق التوازن الفعلي للسلعة، من حيث التكلفة وسعر مبيعها ونسب أرباحها المتدرجة، حسب حلقات الوساطة التجارية، والتزامها بهوامش الربح المحددة وتشديد الرقابة على التطبيق، عندها يتحكم أهل الرقابة إلى حدود كبيرة بالأسعار، تمهيداً لتحقيق كليتها وفق منظور المنفعة المتبادلة لكل الأطراف.
وهذا الأمر يحتاج لبيئة وحاضنة تسمح بفرض آلية تسعير شفافة، وهذا لايمكن تحقيقه إلا بتوازن الإمكانات وتوافرها، وعودة مقدرات الدولة إلى حضنها، وقدرت حماية المستهلك على التوازن فيما قلناه مرهون بتحقيق هذه البيئة.
والسؤال هل يطول بنا الأمر حتى نرى هذه البيئة، وآلية تسعير شفافة يمكن من خلالها تحقيق توازن السوق المطلوب وفق معادلة لا غالب ولا مغلوب..؟!.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة