أمريكا مرعوبة من حراك الطلاب!
خاص غلوبال ـ علي عبود
تابعنا خلال الأسابيع الماضية انتفاضة الشباب وخاصة طلاب الجامعات في الغرب نصرة لفلسطين، وهم لم يترددوا في رفع أعلامها داخل حرم الصروح العلمية، وتحديداً التي تُخرّج القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في أمريكا وبريطانيا وفرنسا..إلخ.
ولا شك أن الإدارة الأمريكية “مرعوبة” بعدما اكتشفت حسب نتائج الاستطلاعات الأخيرة أن نسبة الشباب الأمريكي المتعاطف مع القضية الفلسطينية لاتقل عن 60 %، ومنهم عدد كبير في جامعة “كولومبيا”.
نعم، الإدارة الأمريكية لم تُصدق مايحدث، فبالنسبة لها أن ينتفض الطلاب لتورطها في حروب خارجية مثل فييتنام وأفغانستان والعراق..الخ، أمر مقبول ويُمكن التساهل أو التعامل معه، أم أن ينتفض طلاب الجامعات ضد “إسرائيل” فهذا أمر مرفوض، ويجب التعامل مع المعارضين كمعادين للسامية، بل من الضروري قمع الحراك الطلابي بالقوة والعنف قبل أن يتحول انتقاد جرائم “إسرائيل”الوحشية ضد الفلسطينيين إلى ظاهرة عامة داخل المجتمع الأمريكي في الأمد المنظور وليس البعيد جداً.
وللمرة الأولى تتعاطى الإدارة الأمريكية، بتأييد من الكونغرس أي الحزبين الجمهوري والديمقراطي بعنف مع طلاب الجامعات، فتشجع حكام الولايات ورؤساء الجامعات على استقدام الشرطة لإخلاء مخيمات التضامن مع غزة بالقوة، وباعتقال من تزعم أنهم يحرضون ضد “إسرائيل” والتهمة جاهزة: انتقاد “إسرائيل”معاداة للسامية.
أكثر من ذلك فإن الكونغرس سيعدّل قانون معاداة السامية كي يتاح للسلطات الأمنية وللشرطة باعتقال أي أمريكي ينتقد “إسرائيل” ولو بكلمة واحدة تغضبها.
ولو اقتنعت الإدارة الأمريكية ومعها الكونغرس وكيان العدو أن الحراك الطلابي سيبقى داخل أسوار الجامعات دون نقل حيّ له سواء عبر بعض وسائل الإعلام الخارجي، أو وسائل التواصل الحديث، لما تعاملت معه بعنف، ولما استعانت بالشرطة لتعتقل آلاف الطلاب.
ويمكن الاستنتاج بسهولة أن الإدارة الأمريكية، والكونغرس بحزبيه الجمهوري والديمقراطي و“إسرائيل” مرعوبين بأن يمتد الحراك الطلابي إلى شرائح أكبر من المجتمع الأمريكي، ويتحول إلى ظاهرة عامة للمرة الأولى بتاريخ أمريكا والكيان.
نعم، كان مألوفاً وطبيعياً جداً أن تهاجم الإدارة الأمريكية كل الأصوات الصادرة في الخارج المنتقدة لجرائم “إسرائيل” ضد الفلسطينيين واتهامها بمعاداة السامية، بل وبفرض العقوبات ضد الدول التي لاتطبع مع إسرائيل، لكن من غير المألوف أبداً أن تهاجم الإدارة الأمريكية طلاب الجامعات الأمريكية المحتجين على حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” في غزة، وأن يدين رئيسها “جو بايدن” الحَراك الطلابي المؤيّد للقضية الفلسطينية داخل الجامعات الأمريكية، متّهماً إيّاهم بارتكاب أعمال “معادية للسامية”، ومحذّراً ممّا سمّاه “التصاعد المقلق لمعاداة السامية في مدارسنا ومجتمعاتنا وعلى الإنترنت”.
ولم نتفاجأ باستنفار الكونغرس بحزبيه الديمقراطي والجمهوري لنصرة “إسرائيل” مهاجمين مواطنيهم الطلاب، ومهددين بطرد رؤساء الجامعات إن لم يضعوا حداً للاحتجاجات.
كل مايرفعه طلاب الجامعات الأمريكية ضد “إسرائيل” لارتكابها المجازر اليومية ضد الفلسطينيين، هو بنظر الكونغرس والإدارة الأمريكية والحكومة العميقة هو “معاداة السامية”، و“كراهية اليهود”.
لقد توقع الرئيس بايدن ومعه الكونغرس أن هذه التهم الموجهة لطلاب الجامعات المنتفضة على جرائم “إسرائيل” الوحشية، والمقرونة بتهديدات فظة ووقحة لرؤساء الجامعات ستخيف المحتجين وتدفعهم لفك مخيمات الاعتصام والعودة إلى مقاعد الدراسة، لكن حصل العكس تماماً، فالاحتجاجات لم تمتد إلى جامعات أمريكية أخرى فقط، بل امتدت إلى الجامعات الأوروبية، وكان الاستثناء الوحيد الجامعات العربية وكأنها تعيش في كوكب المريخ.
ولعل أحد مخاوف الحكومة الإدارة العميقة أن يستقطب حراك طلاب الجامعات الأمريكية النخبوية سريعاً مجموعات مختلفة من الطلاب التي تحمل توجهات سياسية يسارية أو من الأقليات التي تعاني من التمييز الممنهج – كالسود والمسلمين – أو من الحركات الطليعية النسوية وأنصار البيئة وغيرهم، بل ثمة مخاوف من تعاظم أشكال الاحتجاج من أجل فلسطين، واتّساع نطاقها لتتحوّل إلى ثورة طالبية شاملة على نسق الحركة المناهضة للحرب الأميركيّة على فييتنام في الستينيات، والتي أصبحت نواة حَراك وطني اجتذب قطاعات عريضة من الأميركيين، وفرض ضغوطاً هائلة على النخبة الحاكمة لوقف الحرب.
الخلاصة: لم تنجح إدارة بايدن ولا الكونغرس ولا حكام الولايات بتكميم أفواه الطلاب، ولم تسفر التدابير العقابية والتأديبية في حقهم كإجبارهم على تعليق الدراسة، أو باعتقال الآلاف منهم ..الخ، بوقف الاحتجاجات المنددة بجرائم ومجازر “إسرائيل” بحق الفلسطينيين العزل، بل أن أمريكا مرعوبة من أن تتمدد الاحتجاجات أكثر فأكثر داخل كل الولايات الأمريكية.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة