أهلاً بالاستيراد!
خاص غلوبال ـ علي عبود
نجزم بأن قلة من التجار “المتنفذين” لم يتفاجأوا بقرار استيراد مادتي البطاطا والثوم، فهم دائماً بانتظار توسيع دائرة تأمين احتياجات البلاد والعباد عن طريق الاستيراد، ولو استنزف هذا النهج القطع الأجنبي، وقضى على الإنتاجين الزراعي والصناعيّ، ولسان حالهم يلهج بالشكر والامتنان للجنة الاقتصادية، مع عبارة يرددونها مع كل قرار يزيد من شفطهم للأموال بأسرع الطرق: أهلاً بالاستيراد.
وبتنا مع الكثيرين، على قناعة تامة بأن الشغل الشاغل للجنة الاقتصادية إقرار الموافقات السريعة على كل ماله علاقة بالاستيراد، و“التريث” بإقرار الموافقات التي تزيد الإنتاج وتُشجّع على تصنيع احتياجاتنا بسواعد المنتجين، لابسواعد المستوردين “المتنفذين”.
الملفت في قرار الحكومة باستيراد 30 ألف طن من البطاطا وألف طن من الثوم، هي المهل الزمنية المحددة لإتمام معاملات توريدها إلى البلاد، مما يدعو إلى التساؤل: من المستورد “الفهلوي” الذي يستطيع إدخال كميات البطاطا والثوم خلال مدة أقصاها 45 يوماً؟.
أعادتنا هذه المهل المحددة بدقة إلى قرارات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في النصف الثاني من منتصف عقد ثمانينيات القرن الماضي، فقد كانت الوزارة تصدر قرارات خاصة باستيراد بعض السلع ثم تلغيها بعد عدة أيام، أي قبل أسبوع على نفادها، واكتشفنا حينها بأنها لصالح فئة من المستوردين “المتنفذين” قاموا باستيراد المواد ووصلت إلى المرفأ، ولا يُمكن إدخالها نظامياً إلا بقرارات من وزارة الاقتصاد.
ولا نستبعد بحكم علاقات قلة من “المتنفذين” بمفاصل صنّاع الموافقات والقرارات في الجهات الحكومية على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها، علمها المسبق بما سيصدر تباعاً من قرارات تسمح باستيراد بعض المواد بإنجاز صفقاتهم مسبقاً، وهذا سيفسر سرعة طرح مادتي البطاطا والثوم قريباً في الأسواق.
ومهما كانت خلفيات قرارات استيراد البطاطا والثوم، والمعلن منها هو تأمين حاجة الناس في رمضان وتخفيض أسعارها، فإن السؤال: لماذا تستورد سورية السلع الغذائية القادرة على إنتاجها محلياً بما يفيض عن حاجتها؟.
لوعدنا إلى موافقات اللجنة الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي كانت تصدرها رئاسة مجلس الوزراء بقرارات نافذة لاكتشفنا بأنها تميل دائماً لتسهيل عمليات الاستيراد، وتعقيد دوران عجلات الإنتاج، والدليل رفع مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي شهراً بعد شهر، وليس سنة بعد سنة.
وفي حال كان لدينا فائض في إنتاج بعض السلع كالحمضيات، فإن اللجنة الاقتصادية تتجاهل عمداً تذليل العقبات من خلال الموافقة على تشجيع صادراتها كي تتمكن من منافسة مثيلاتها اللبنانية والإيرانية في الأسواق الأقرب إلينا منها كالعراق والخليج!.
أما إذا زاد إنتاجنا من محصول زراعي على مدى ثلاث سنوات كالذرة الصفراء الضرورية لقطاع الدواجن وصناعة الزيوت، فإن اللجنة الاقتصادية تستمر بالموافقة على استيرادها من جهة، وتتريث بتأمين المجففات الكفيلة باستلام كامل المحصول من المنتجين من جهة أخرى، وكأنّ الحكومة تعاقب كل من يزيد الإنتاج.
أما السؤال الأكثر أهمية: لماذا لا تشترط اللجنة الاقتصادية على المستوردين تصدير كميات من المنتجات الصناعية والزراعية السورية توازي قيمتها الدولارية قيمة مستورداتهم؟.
ومثلما تُصدر الحكومة القرارات التي تُسعد قلة من المستوردين “المتنفذين”، فلماذا لاتهتم بإصدار قرارات مماثلة، بل وأكثر أهمية، تُسعد شريحة واسعة من المنتجين في القطاعين الزراعي والصناعي، وتفتح أمامهم الأسواق الخارجية مثلما تفعل كل الدول الحريصة على تصريف إنتاجها وزيادة مواردها من القطع الأجنبي بدلاً من استنزافه على استيراد سلع يُمكن تصنيعها وإنتاجها محلياً.
الخلاصة: في ظل الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم منذ أشهر، وارتفاع كلف الشحن والتأمين، فقد آن الآوان لتستنفر الحكومة بكل إمكاناتها المتاحة لتوفير الدعم بالأفعال وليس بالأقوال للقطاعين الزراعي والصناعي، كي تتمكن سورية من الإعتماد على سواعد منتجيها بإنتاج مايفيض عن حاجتها، كما كان حالها في العقود الماضية.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة