أوستن تايس… ابتزاز أمريكي مفضوح
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
شيء جميل أن تهتم الدولة-أي دولة- بمواطنيها وتتابع أخبارهم وتسأل عن مصيرهم، لأن ذلك يقع ضمن مسؤوليتها تجاه رعاياها، وضمن حقوق المواطن على دولته.
لكن عندما تتخطى الدولة الخطوط الحمراء في استباحة الدول وينحرف المواطن عن احترام القوانين الدولية أو قوانين الدولة التي يجثم فوق أراضيها فإن ذلك يفرض تعاملاً خاصاً يتناسب مع تلك الحالة.
نسوق هذا الكلام هنا بعد أن كرّرت الخارجية الأمريكية اتهامها لسورية بإخفاء أحد مواطنيها في مدينة داريا، حيث كان يغطي الصحفي أوستن تايس جرائم التنظيمات الإرهابية بحق الأهالي الآمنين والجيش العربي السوري، ووفق ادعاءات واشنطن فإنه فُقد الاتصال به منذ صيف 2012، محملةً الحكومة السورية مسؤولية مصيره.
من حيث المبدأ نقول، إن آلاف الصحفيين دخلوا الأراضي السورية بطريقة شرعية، وقُدمت لهم عن طريق وزارة الإعلام كل التسهيلات التي تؤمن لهم الظروف الآمنة لممارسة عملهم، ولم تفرّق بين مندوب وسيلة إعلامية وأخرى، أو تمارس أي ضغط، حتى على من كانوا يراسلون وسائل إعلام أظهرت عداءها الصريح للدولة السورية، وأثبتت تحيزها للتنظيمات الإرهابية.
ومع ذلك لم نسمع أي شكوى من أي دولة غربية عن فقد الاتصال بأحد مندوبيها رغم كل الظروف التي عاشتها سورية إبان الأزمة.
وحتى عندما أظهرت بعض الفضائيات انخراطها الكامل بالمشروع المعادي الشعب السوري تم إبلاغها إلغاء ترخيص العمل الممنوح لها، مع إعطائها مهلة زمنية كافية لتصفية أمورها وترحيل كادرها بصورة حضارية.
ولم تعتمد سورية أي أسلوب انتقامي كما تفعل أمريكا ودول الغرب، أو “إسرائيل” الذين قتلوا مئات الصحفيين الذين كانوا يعملون بصورة شرعية، فقط لأنهم كانوا ينقلون صورة الجرائم الأمريكية في العراق وأفغانستان، والجرائم الإسرائيلية في فلسطين المحتلة سواءً قبل “طوفان الأقصى”، كما قتلوا شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأمريكية، بل لديها الموافقة من حكومة الاحتلال، أو كما قتلوا مئات الصحفيين بعد “طوفان الأقصى”.
إن الصحفي الذي تدّعي الخارجية الأمريكية بأنه محتجز لدى الحكومة السورية لم يدخل البلاد بطريقة شرعية، والدولة صراحةً ليست مسؤولة عن حمايته، أو حتى البحث عن مصيره، وخاصة أن إدارة أوباما ومن تلتها لم تبحث عن مواطنها وفق الأسس القانونية التي يجب أن تحكم العلاقة بين الدول، وإنما من خلال المسارعة إلى توجيه الاتهامات المفتقرة إلى أي أدلة أو أدنى القرائن.
كذلك فإن البحث عن مصيره يجب أن يتم عبر التنسيق الرسمي بين أمريكا وسورية، وعبر المطالبات من المنافذ الدبلوماسية، وعندها لن تبخل الحكومة السورية لأسباب إنسانية في بذل ما تستطيع لمعرفة مصيره.
وفي هذا السياق، نذكّر بأن الحكومة السورية قد شاركت الحكومة التركية في البحث عن طيار طائرة الفانتوم التي تم إسقاطها فوق الساحل السوري عام 2011، رغم أن الطائرة كانت في مهمة عدائية.
إن ادعاءات واشنطن تمثل تشويهاً متعمداً للحقائق، واستمراراً لنهج هذه الإدارة في كيل الاتهامات ضدّ دمشق، بالتوازي مع استمرار واشنطن بممارساتها العدوانية عبر انتهاكها لسيادة الأراضي السورية ودعمها للمليشيات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية، وفق ما أكدته الخارجية السورية في بيان لها، كما أن مطالبة واشنطن لا ترمي إلا لقلب الحقائق.
ونتساءل هنا، طالما رعاياها أعزاء عليها، حتى وإن دخلوا في مناطق سيطرة تنظيمات الإرهاب، فلماذا لا تحرص الإدارة الأمريكية على سلامة مواطني الدول الأخرى الذين تمارس عليهم العدوان والحصار والعقوبات والتجويع، ولماذا اختارت إكساء المطالبة بقالب الابتزاز السياسي الذي بات مكشوفاً ومرفوضاً من دول العالم قاطبة، رغم وجود طرق أنجع وأكثر فائدة؟.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة