إعلامي سوري: لم يكن أي رئيس للحكومة شفافا مع السوريين وجميعهم كان شغلهم الشاغل الترويج لسياساتهم الإقتصادية
انتقد الإعلامي علي عبود في مقال له الحكومات المتعاقبة خلال الحرب على سورية وطريقة تعاطيها مع الأزمات المعيشية، لا سيما موضوع الدعم.
وقال عبود:
بصراحة مطلقة: لم يعد يقنعني أي رئيس حكومة! من خلال تجربتي الإعلامية على مدى أربعين عاما لم يكن أي رئيس للحكومة شفافا مع السوريين، وجميعهم كان شغلهم الشاغل الترويج لسياساتهم الإقتصادية الخاصة، أو لقرارات لاتستند إلى أي رؤية إقتصادية متماسكة!
هل نبالغ فيما نقول؟ لاحظوا إن أزمات المحروقات والكهرباء والنقل والرغيف وإصلاح القطاع العام، والهوة بين الأجور والأسعار ليست مستجدة بفعل الحرب على سورية، بل تعود لثمانينات القرن الماضي!
ترى هل من عاقل سيصدق إن مامن حكومة على مدى أربعة عقود لم تكن قادرة على حل أزمة واحدة من أزمات البلاد والعباد سواء في حقبات الوفرة، أم في حقبات الندرة، أوأنها أصلا لم ترد حلها؟
ودائما لدى رؤساء الحكومات الكثير ليقولَوه في ملفات محددة، ولكي يمرروها يزعمون أن عينهم على المواطن، فهل هذا صحيح؟!
أول من بدأ همروجة “إيصال الدعم لمستحقيه” كانت حكومة المهندس محمد ناجي عطري التي أتت في حقبة الوفرة الإنتاجية، والنفطية، وصفر ديون خارجية، واحتياطي من القطع الأجنبي لايقل عن 18 مليار دولار.. الخ.
ماذا كانت حصيلة سياسات حكومة عطري الليبرالية المتوحشة؟
بدأت بتحرير أسعار المحروقات بنسب غير مسبوقة دون أن ترفع الأجور بالنسب نفسها، وأهملت القطاعات الإنتاجية لصالح الإقتصاد الريعي، وحوّلت سورية إلى مستورد للحبوب، بعدما كان لديها إحتياطي إستراتيجي من القمح يتجاوز 5 ملايين طن في عام 2003 !!
نعم.. بدأنا باستيراد القمح أيام البحبوحة الإقتصادية، وليس في زمن الحرب كما توحي الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011!
لقد أصبح شعار الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 : الأراضي المروية لاتعنينيا، والسدود نسيناها، والقطاع العام آخر اهتماماتنا!!
وهاهي الحكومة الحالية تشغلنا مجددا بهمروجة الدعم على مدى الأشهر الماضية بدلا من انشغالها بحل أزمة واحدة فقط من أزماتنا المستعصية المستمرة منذ أربعة عقود!
هل يُعقل أن نكرر معزوفة إن الأولوية لزيادة الإنتاج دون تأمين الكهرباء على مدار الساعة؟
ترى ماحجم الخسائر الإقتصادية الناجمة عن غياب الكهرباء ونقص المحروقات؟
عندما تعرّضنا لأزمة مماثلة في تسعينات القرن الماضي، ووصلت الخسائر في مصانع القطاع العام إلى المليارات، تدخل الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأمر الحكومة التي كان مشغولة بتقديم التسهيلات والتنازلات للقطاع الخاص الخارجي: الكهرباء حق لكل مواطن.. فماذا حصل؟
إنفرجت الأزمة خلال فترة قصيرة، مايؤكد إن مامن حكومة إلا وقادرة على الفعل، لكن المشكلة كانت ولا تزال أنها لاتريد لأن عينها على أمور أخرى ليس من بينها الإقتصاد ولا المواطن، فلطالما كان الشغل الشاغل للحكومات الجباية وليس الإنتاج!
قلناها منذ عقدين من الزمن وسنكررها دائما: ارفعوا الدعم نهائيا وامنحوا أجورا كافية للأسرة تؤمن لها مستلزمات العيش والرفاه والسكن مثل معظم دول العالم!
ولن يُصدق أحد إن الحكومات المتعاقبة كانت عاجزةعن فعلها لأن مواردها محدودة، بل لم تفعلها لأنها لاتريد أن يعيش المواطن بلا منّة الدعم الحكومي!
والحكومات التي تصادر أموال التأمينات الإجتماعية وتُطفىء 60 مليار منها “أي تشطبها” في مطلع القرن الحالي، ولا تسدد ديونها المستحقة للعمال والمتقاعدين، وتمنع إدارة مؤسستهم من أستثمار أموالها لتحسين أحوالهم المعيشية.. لن تمنح أجورا للعاملين ورواتبا للمتقاعدين، حسب مانص عليه الدستور، تكفي لمتطلبات الحد الأدنى لمستلزمات المعيشة!
وإذا كان قرار رفع الدعم عن غير المستَحقين هو فعلا حماية لاقتصاد الدولة وموازنتها المُتعَبة.. فهل منح رواتب وأجور لاتؤمن الحد الأدنى من الكفاف اليومي للأسرة السورية، وتتعبها، بل وترهقها، يحمي الإقتصاد ويدعم موازنة الدولة؟
والسؤال: أيهما يحتاج إلى الحماية والدعم.. الحكومة أم العامل بأجر؟
لو أن الحكومات المتعاقبة حرصت على الحفاظ على القوة الشرائية لراتب بدء التعيين في مطلع ثمانينات القرن الماضي دون أي تعويضات أوإضافات، أو أي زيادة على مدى 40 عاما، لوجب عليها أن تعدّل قيمة هذا الراتب ليكون اليوم عند بدء التعيين 630 ألف لا 92 ألف ليرة!!
ولو فعلتها أي حكومة سابقة لأمكنها إلغاء الدعم نهائيا، وأراحتنا من هذه الهمروجة والمعزوفة المملة!
أما العجز في الموازنة فليس بالأمر الجديد، والمعالجة تكون بتأمين حوامل الطاقة اللازمة لزيادة الإنتاج في القطاع العام قبل الخاص، بدلا من الإنشغال بالطاقات البديلة، وإغراق السوق بفوضى “البطاريات واللوحات الشمسية” لصالح متنفذ أوأكثر يشفط يوميا مئات الملايين كافية لإقامة عشرات محطات التوليد التي يمكن تمويلها من قبل الصناعيين!
طريقك الصحيح نحو الحقيقة