إلغاء “الرباعية”…وعند جهينة الخبر اليقين
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
ليس من المؤكد بأن الأردن قد ألغى القمة الرباعية التي كان من المزمع أن تجمع الرؤساء الأمريكي جو بايدن والمصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وملك الأردن عبد الله بن الحسين الذي ذكر بأنه تم إلغاء القمة بعد القصف الإسرائيلي الوحشي لساحات مشفى المعمداني وخلف مئات الضحايا والجرحى من المدنيين الذين نزحوا إليه وافترشوا ساحاته على أمل أن يحقق لهم بعضاً من الأمان، على اعتباره من الأهداف التي تحرّم القوانين والاتفاقيات الدولية استهدافها.
اللافت هنا بأن الأردن والدول المدعوة للقمة كان باستطاعتها أن تجبر بايدن أو إدارته على إصدار بيان على الأقل توضح الخسائر الدبلوماسية التي كان سيجنيها العرب من تلك القمة التي توقعوا بأن “تخرج الزير من البير”، لكن الموضوع مضى وكأن شيئاً لم يكن، واكتفى الرئيس الأمريكي بالاتصال بالرئيس المصري من طائرة العودة ويزف له البشرى بأن يوم غدٍ الجمعة يمكن أن تسمح “إسرائيل” بدخول بعض السيارات الشاحنة المحملة بالمواد الإغاثية بعد أن تصبح الطرقات التي دمرتها “إسرائيل” صالحة لمرورها الشاحنات.
ولكي لا يظن البعض أن بايدن قد فتح أبواب المساعدات الموصدة سارعت “إسرائيل” للتأكيد على أنها لن تسمح بدخول أكثر من عشرين شاحنة من مئات الشاحنات المتجمّعة في الطرف المصري من معبر رفح، بل قرنت ذلك بشروط تعجيزية أقرب إلى الرفض منها إلى الموافقة، كما تم استبعاد المحروقات من تلك المساعدات مع أن مشافي القطاع قد تتوقف كلياً عن تقديم الإسعافات للجرحى بسبب نفاد المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية فيها.
من المرجح أن يكون الجانب الأمريكي هو من ألغى القمة، لأن وزير خارجيته قد حصل على ما يمكن الحصول عليه في جولاته المكوكية على دول المنطقة قبل قدوم بايدن، كما أن الجعبة الأمريكية المليئة بالأسلحة المتطورة والفتاكة وبالمشاعر الجياشة وبالوعود الدولارية وبالمواقف المتصهينة قد تم إفراغها في “تل أبيب”، ولو أن المواقف العربية بحجم التحدّي الذي كان يستدعي التلويح بإلغاء جميع اتفاقيات السلام مع “إسرائيل” وطرد البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية والتلويح بالأخطار المحدقة بالمصالح الأمريكية في المنطقة، وبفتح الحدود أمام من يريد قتال “إسرائيل” إذا إستمرت بعدوانها الوحشي وبحصارها غير الإنساني للفلسطينيين عموماً، ربما كانت واشنطن قد طالبت جدياً بعقد القمة، ولكن بالفعل لا يوجد أي مبرر لعقدها لذلك تم إلغاؤها.
إن زيارات المسؤولين الأمريكيين ل”إسرائيل” من وزير الخارجية إلى الدفاع إلى قائد القوات المشتركة حتى الرئيس بايدن، والتصريحات الوقحة التي تناصر “إسرائيل” على إجرامها، وغياب الدور العربي الفاعل، وغياب إرادة المواجهة السياسية على الأقل هو ما جعل واشنطن غير مهتمه بلقاءات مع كيانات سياسية “منفعلة” وغير فاعلة.
مع الإشارة إلى أن تعرّض بعض القواعد العسكرية في سورية والعراق للقصف إضافةً لورود بعض البيانات من بعض الفصائل المقاومة، كلها مؤشرات خطر تُنذر أمريكا بتعرّض مصالحها للخطر بسبب دعمها للعدوان الإسرائيلي على غزة، كما أن المباشرة بالاستهداف ولو بالحدود الدنيا قد يُجبر واشنطن على إرسال سياسييها إلى المنطقة من جديد ربما “للحياكة بمسلّة أخرى”.
لقد بات لزاماً على العرب أن يبلوروا موقفاً مؤثراً ليس لوقف العدوان على غزة فقط، وإنما لإحباط المخططات التي من الممكن أن تنفّذ كثمرةٍ لهذا العدوان، ويأتي في مقدمتها إخلاء قطاع غزة بالكامل وتهجير سكانه خارج الحدود بعد تدميره وقطع أسباب الحياة فيه، وإنهاء الميزة الاستراتيجية لقناة السويس بتنفيذ قناة بديلة من إيلات على البحر الأحمر وصولاً إلى المتوسط عبر قطاع غزة، وقد تمت المباشرة بشق القناة وفق ما أكده البرلماني والصحفي مصطفى بكري في مجلس الشعب المصري، وعندها ستخسر مصر ما يزيد على ستة مليارات دولار سنوياً من عائدات القناة، ناهيك عن الضغوط المائية والتحكم بتدفّق مياه النيل والأنهار العابرة للبلدان العربية وغيرها الكثير.
العدوان على غزة وتأكيد بايدن على أن “إسرائيل” ليست وحدها في تنفيذ العدوان، ووعوده بنشر ألفي جندي من المارينز عند اللزوم يعني أن المستهدف ليس قطاع غزة فقط، والشاطر من يتعظ من دروس التاريخ ومن مآسي الغدر الأمريكي الذي لن يستثني أحداً.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة