الجولات لا تطعم خبزاً؟!
خاص حلب – رحاب الإبراهيم
كل فترة أجول في أسواق مدينة حلب ومناطقها سواء بقصد إعداد تقارير صحفية معينة، أو رغبة في استقصاء أو اكتشاف بعض القضايا في أزقتها وأحيائها وخاصة مع التغيرات المستمرة في واقعها الاقتصادي والاجتماعي تحت وطأة ثقل الأزمات المتواصلة، على نحو ينذر بواقع غير “محمود” وخاصة مع التبدل الديمغرافي والاقتصادي في تركيبتها، بحيث بتنا نسمع جملة “لم تعد العاصمة الاقتصادية” تتكرر على لسان أغلب التجار والصناعيين، مع لحظ ظهور قوي للهجات غير اللهجة الحلبية بعد اتساع نطاق هجرة أهلها وبيعهم ممتلكاتهم ليأخذ أهالي أريافها وأرياف إدلب حصة كبيرة من سكان المدينة، الذين باتوا كغيرهم من السوريين يعانون من ضغوط معيشية قاسية لم يألفوها في أشد فترة الحرب ضراوة، من دون اكتراث من المعنيين لهذه المسألة الخطيرة وخاصة مع اتساع رقعة الفساد في المدينة.
هاتان القضيتان يشكلان مؤشرين سلبيين بالمطلق على حال العاصمة الاقتصادية الصعب، الذي يؤكده أيضاً، إغلاق العديد من المحال التجارية الواقعة في مناطق مركز المدينة، والتي كانت تشهد على الدوام حركة تجارية نشطة، خلافاً لهذه الأيام، أو إذا لم تغلق، فهي طور الاتجاه إلى هذا الأمر “الضار” اقتصادياً، حيث تكرر عبارة للبيع أو الإيجار على أبواب المحال الزجاجية، نتيجة قلة البيع والركود، وهذا أيضاً لا يبدو كافياً لصناع القرار للمبادرة إلى تخفيف الضغوط على المنتجين أو أقله اتخاذ إجراءات معينة للحفاظ على ما تبقى منهم سواء أكانوا تجاراً أو صناعيين أو حرفيين، وعدم التفريط بهم لصالح دول أخرى تحاول بكل وسعها استقطاب خبراتها وتقديم تسهيلات ومحفزات معينة لاعتقادهم بأنهم سيحققون قيمة مضافة لاقتصادها، في حين تستمر سياسة التطفيش وإتباع أسلوب الجباية تحت ذريعة ضعف الإمكانات والموارد، مع أنه لو منح صناع حلب وحرفيوها وتجارها الدعم المطلوب لتضاعفت هذه الموارد وتحسن واقع الاقتصاد المحلي وخاصة عند ارتفاع وتيرة التصدير إلى الأسواق الخارجية ورفد الخزينة بالقطع الأجنبي، لكن لا حياة لمن تنادي، علماً أن هذا التفريط المكلف بالكفاءات والخبرات سندفع ضريبته لاحقاً وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار.
ومع هذا الواقع الذي يمكن وصفه بـ”الخطير والمؤلم جداً” نجد المسؤولين مستمرين في جولاتهم الاستعراضية، التي لم تعد تحقق أي من أهدافها الردعية أو التطمينية، وخاصة أن حال الأسواق المنفلتة أصبح يزعج أهل التجارة ذاتهم في ظل انخفاض حجم المبيعات نتيجة عدم قدرة المواطن بدخله المحدود على ملاحقة موجات الغلاء المتواصلة، لذا يحق لنا بلسان كل مواطن بما فيهم التجار، ما هي الجدوى من الجولات على الأسواق إذا كانت دوريات الرقابة عاجزة أساساً عن ضبط الأسواق ومحاسبة كبار التجار المتحكمين في الأسواق وأسعارها، وهل ستسهم حقاً في تخفيض مستوى الأسعار على نحو يمكن المواطن من شراء احتياجات الأساسية وبيع التجار بضاعتهم، وهل ستطعم هذه الجولات الاستعراضية الفقراء المتزايدة نسبتهم خبزاً ولن نقول لحماً أو فاكهة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة