الخبرات السورية في ظل تداعيات أزمة خارجة عن كل القوانين..!
غلوبال خاص- سامي عيسى
قبل سنوات الحرب الكونية على سورية واستهدافها كل مكونات الحياة للمواطن السوري، وما أعقبها من حصار اقتصادي، وعقوبات هي الأشد والأقسى في تاريخ البشرية، لأنه استهدف بصورة مباشرة مقومات معيشة المواطن، كانت الحياة تكتفي بحاجاتها المتنوعة، والأسواق متخمة بالمنتجات المحلية، منسوجة بخبرات وكفاءات علمية وتقنية وإنتاجية، تفرد أجنحتها في مواقع العمل، تعطي وتثمر إنتاجية تفوق الحاجة، فكان التصدير ليس للمنتجات والسلع فحسب، بل كان للخبرات أيضاً، لكنها بصورة طوعية وليست قسرية، الأمر الذي أوجد حالة من الارتياح في الأسواق ولكافة الأطراف المرتبطة بها.
لكن دون أن ننسى مشكلات وعيوب لازمتها طيلة السنوات السابقة، وهذه تماشت مع ظروف المرحلة، والمعالجة تحكمها حالة بطء شديد، إلا أن ظروف الحرب الكونية، والأزمة التي غلّفتها ظروف غاية في الخطورة كشفت هذه العيوب وأظهرتها على السطح، بما تحمله من مفردات صعبة الحل، ومشكلات تعبر عن حالة يصعب فيها إيجاد الحلول،و لاسيما في القطاع العام بمختلف أبعاده، الاقتصادي منها والخدمي وغيرهما.
لكن الأخطر في هذه المشكلات ما يتعلق بالخبرات والكفاءات الوطنية، التي امتلكت خلال المراحل السابقة موروثاً علمياً وتقنياً وفنياً، نستطيع من خلاله تحقيق نقلة نوعية على صعيد العملية الإنتاجية ، وزيادة مردودها الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب تحقيق استقرار نوعي للأسواق المحلية، والابتعاد عن عمليات الابتزاز والسرقة بحجة ارتفاع التكاليف وزيادة أجور النقل، وغيرها من حجج تقف خلفها جهات امتطت الأزمة وركبت على ظهرها بقصد الإثراء وتكوين الثروة على حساب الوطن والمواطن.
والأخطر ما مارسته تلك الجهات على الخبرات الوطنية من ضغوط بقصد الإقصاء وإبعادها عن مواقع العمل، تارة بالترهيب وأخرى بالترغيب، إلى جانب فلسفة الإدارة على مستوى الصف الأول من القيادات والإدارات، ووضعها في أماكن مغلقة في مكاتب ودواوين الوزارات أو في المؤسسات والشركات التابعة، التي مازالت تغص ببعض الخبرات وبحالة نفسية يشوبها الكثير من القرف والتعب النفسي جراء حالات الإقصاء ووصول أهل الدهاء إلى مفاصل العمل بطرق ملتوية تركت آثاراً سلبية على الواقعين الإداري والإنتاجي، وظهور حالة من الفراغ الوهمي لنقص الخبرات.!
لكن الذي زاد ” الطين بلة” ما فعلته الحرب الكونية على سورية، وما فرضته من تداعيات سلبية شجعت أهل الخبرة والكفاءة العلمية للهرب إلى خارج البلاد بحثاً عن آفاق جديدة للعمل، فكانت الحالة الأقسى والأصعب على القطاعات العامة والخاصة، بسبب إفراغها من الكفاءات والخبرات التي حملت لواء الإنتاج طيلة فترات كان الإنتاج فيها وافراً ومن كافة الاتجاهات.!
وما يزيد الأمر خطورة أيضاً حالة التطبيل اليوم للخبير الأجنبي الذي يحمل هوية مطور لبرامجنا الاقتصادية, وهو بالأساس متقاعد من الخدمة يحاول الترفيه فيأتي إلى بلدنا يحقق غايته باتجاهين، الأول جمع المال والثروة والثاني ترفيهي على حساب القطاعات التي هي بالأساس متخمة بخبرات أفضل منه، ربما هذا الأمر قبل الأزمة، لكن اليوم عاد من بوابة أخرى بوابة الحاجة ونقص الخبرات، وما فعلته أحداث الحرب بها، وصولاً إلى الأخطر والذي يحمل هوية الشخصنة في العمل، والتي دمرت الكثير من الكفاءات بفعل الشخصنة والمنفعة وما يترتب عليها من مسائل خطيرة وتداعيات سلبية، بتنا نلمس تأثيراتها السلبية على العمل, وخاصة في ظل الظروف الحالية، وإبعاد الإدارات الخبيرة عن مواقع العمل بقصد إيجاد فجوة كبيرة في صفوف العمل ومفاصل الإدارة، وإظهار حالة عجز إداري لا يملؤها إلا المنتفعون من أهل الإدارة ..!
وما نحتاجه اليوم في سورية إعادة نظر بهوية جديدة، و استراتيجية تتضمن صياغة جديدة للعمل الإداري، تتكفل إقصاء كافة الإدارات المتنفعة والمتسلقة على الجسم الإداري في كافة القطاعات، ليس على المستوى الحكومي فحسب بل في القطاع الخاص أيضاً، لأن العملية متكاملة والصح يتقبله الجميع من دون استثناء من أجل إدارة ناجحة قوية تحمل هوية جديدة بامتياز وبعيدة كل البعد عن مواقع المنفعة، عندها نخرج من حالة الفوضى التي تسود بعض القطاعات، فهل ننتظر طويلاً لرؤية هذه الهوية..؟ والجواب تحمله قادمات الأيام.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة