السوريون في السودان…بين نار ونار يبحثون عن الأمان
خاص غلوبال – شادية إسبر
بين نارين يعيش السوريون في السودان، نار الغربة ونار الاشتباكات التي اندلعت بين فريقي الصراع(الجيش وقوات الدعم السريع) واشتدت منذ أيام.
هؤلاء الفارون من رحى حرب طاحنة استهدفت بلادهم، وقعوا تحت رصاص أخرى في بلاد استضافتهم، ينتظرون مصيراً مجهولاً في عودةٍ إلى الحالة الأولى التي فروا فيها إلى المجهول، وما إن استقرت أحوالهم هناك، حتى فُتحت عليهم دوامة القرار بالفرار إلى مجهول آخر، ليكون السؤال عن أمان بين نار ونار، والبحث لا يتوقف عن طريق أمان، فالعين على البلاد والأخرى على أخرى.
مع غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة، ودخول آلاف السوريين إلى السودان عن طريق بلدان أخرى بعيداً عن الطرق الرسمية الحكومية والتأشيرات المتبعة وفق العلاقات الدبلوماسية بين البلدان، فإنه من غير الممكن تحديد أعداد الجالية السورية في السودان، وخاصة أنه البلد الذي استقبل اللاجئين السوريين على مدى سنوات الحرب دون أن يفرض عليهم ”سمة دخول“، ما جعله وجهة مئات آلاف الهاربين من المعارك التي شهدتها مناطق انتشار تنظيمات الإرهاب.
ونظراً للتسهيلات وسرعة الانخراط في الحياة، ازدادت أعداد السوريين الذين توافدوا إلى السودان، لتصل ذروتها في العامين 2017 و2018 وفق تقارير إعلامية ذكرت أن العدد وصل لنحو 300 ألف، بينما إحصاءات تفيد بأنه أقل من ذلك بكثير.
عاملت السودان السوريين كما تعامل أبناءها، حتى في الدوائر الرسميّة والمدارس والجامعات، لم تلزمهم باستخراج أوراق الإقامة، بل كانت تُسمى ”إقامة إكراميّة“، وبرسوم مخفضة، والتعامل هذا لم يقتصر على الرسمي، فالسوريون اندمجوا بمهارة وسرعة مع أبناء الشعب السوداني، الذين بادلوهم بدورهم المحبة والاحتضان.
تراجعت الأعداد منذ العام 2019 لتصل إلى 100 ألف، ومن ثم إلى 30 ألفاً، وهي أرقام نقلتها تقارير اعلامية عن مصادرها، وتقول إنهم يقيمون ويعملون في الخرطوم، كما تجمّع عدد منهم شمال المدينة في ضاحية تعرف باسم ”بحري كفوري“، إضافة لتجمعات بمنطقة الرياض.
ومع احتدام المعارك، وازدياد الأوضاع سوءاً، أعلنت الخارجية السورية أنها ”وجهت السفارة في الخرطوم إلى تسجيل أسماء أبناء الجالية الراغبين بالإجلاء وفق الإمكانات المتاحة، وفي إطار الحفاظ على حياة السوريين بعيداً عن الأخطار المحتملة“، بعد أن تمنّت سورية للسودان الشقيق الأمن والاستقرار.
وفيات من السوريين ذكرت آخر أخبارهم أنها بلغت 11 وفاة في مناطق الاشتباكات في السودان، بينما يتم الإعداد لعملية إجلاء من يرغب فور إتمام الترتيبات اللوجستية، والتي تعترضها صعوبات كبيرة، من ضعف الإمكانات، والمخاطر الأمنية على أرض الواقع، حيث الأمر يحتاج للتنسيق مع المنظمات الدولية والدول الأخرى التي لديها إمكانات داخل السودان،ويمكن أن تساعد في مسألة تأمين وصول أبناء الجالية من مناطق الصراع إلى المناطق الآمنة براً، وصولاً لمدينة بورتسودان، ليتم نقلهم بعدها عبر الطيران من مطار المدينة أو التنسيق مع دول أخرى للنقل البحري من مينائها.
وجه السوريون في السودان نداء استغاثة للدبلوماسيين المعنين بشؤونهم، ووجهت الخارجية السورية دبلوماسييها لإجلاء من يرغب، الحال تنسحب على مختلف أبناء الجاليات الأخرى، بينما الوضع يزداد سوءاً في مناطق مختلفة من السودان، حيث تمركز السوريين بالقرب من مناطق استراتيجية تدور فيها المعارك.
يلتزم السوريون كغيرهم من أبناء الجاليات منازلهم، يتوخون الحذر تحت أزيز الرصاص ورعب الصواريخ، في بلد يستغرب المتابعون لأخباره، حجم الجاليات العاملة فيه، العربية منها والأجنبية، وهو الذي يعاني أوضاعاً صعبة معيشية اقتصادية.
ليبقى السؤال غصّة بين العالقين هناك والمنتظرين أخبارهم هنا، متى تنتهي تلك الحروب والصراعات والتدخلات، وتنتصر الإنسانية للشعوب والحياة؟!.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة