بعد خلوها منهم لعقود، المتسولون يجوبون أحياء مدينة حمص.. مديرة الشؤون الاجتماعية لـ”غلوبال”: قلة الإمكانيات تعيق مكافحة هذه الظاهرة
لا تضع الأزمات و الحروب أوزارها عادةً دون أن تترك ورائها أثاراً كارثية ليس فقط على البنى التحتية وإنما في روح المجتمع الذي تضرب فيه تاركةً ندوباً وأوجاعاً تحتاج إلى وقت ليس بقصير لتندمل، مخلفةً آفات اجتماعية بقيت على مدار سنين طويلة غير مرغوبة ومرفوضةً من قبل المجتمع الذي يرى فيها تهتكاً أخلاقياً واجتماعياً غير مقبول.
هي الحروب لا تأتي أكلها إلا على الفقراء والبسطاء ممن لا يملكون إلا القليل في مواجهة قساوتها، لتضعهم أمام خيارات وتجارب اقسى من معاناتهم من ويلات الحرب بذاتها.
لعقود طويلة شكلت محافظة حمص ظاهرة متميزة في المنطقة وربما العالم لجهة خلوها من المتسولين وطالبي الحاجة، فلا تجد في أحيائها وشوارعها متسولا اللهم إلا لغريب قادم من خارجها ساقته الحاجة إليها، إلى أن أتت الحرب وفعلت فعلتها وانتهكت حرمات وأخلاقيات وأشاعت مظاهراً كانت محدودة قبل اندلاعها عام 2011.
اليوم لا يخفى على أحد يجول في أحياء المدينة وشوارعها الازدياد الواضح في أعداد المتسولين والشحادين، ممن يجوبون الشوارع طلباً لـ(مال الله) على حد تعبيرهم، ما يراه البعض جريمة بحق المجتمع الحمصي وإحدى أعقد المشاكل التي لابد من معالجتها، بينما ينظر إليهم آخرون نظرة شفقة لأنهم يدركون أن نسبة ليست قليلة منهم لم يخرجوا للشارع لامتهان التسول بل بسبب الفقر والعوز، وارتفاع الأسعار الذي لم تستطع حتى الآن الحكومة قص جناحيه ومنع تطاوله على أبنائها “المعترين”، بالإضافة إلى تدني مستوى الدخل الذي بات كالفتات الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
لا أرقام أو إحصائيات رسمية واضحة عن أعداد المتسولين في المدينة بشكل عام، في ظل إجراءات و ممارسات تحتاج لمزيد من الجدية والمتابعة لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها، في حين يعتبر البعض أن مديرية الشؤون مقصرة في عملها لعدم تواجدها في الشوارع بشكل دائم واقتصارها في كثير من الأحيان على ما يردها من شكاو أهلية للتعامل مع أحد الحالات التي تسبب إزعاجاً لهم.
مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل في حمص المهندسة سمر مصطفى، أكدت لـ”غلوبال”، أن المديرية تقوم بعدة جولات صباحية ومسائية في الاسبوع بالتعاون مع شرطة السياحة وجمعية البر والخدمات الاجتماعية للحد من التسول، موضحةً في الوقت نفسه أن مكافحة التسول لم يعد مسؤولية المديرية لوحدها وإنما مسؤولية مشتركة بين وزارات (الإدارة المحلية والبيئة- الشؤون الاجتماعية والعمل– الداخلية)، بحسب التعميم الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء مطلع العام الحالي، مشيرة ً إلى أهمية تضافر كافة الجهود لمواجهة هذه الظاهرة.
وبالنسبة لوجود أطفال بين المتسولين، وحاجتهم للرعاية والدعم، بينت المهندسة مصطفى، أنه يتم وضعهم في دار الإيتام أصولاً إن كانوا لايملكون عائلة وفي عمر يتناسب مع شروط وضعهم في الدار، وفيما عدا ذلك يتم إرسالهم إلى دور الرعاية والإصلاح والتأهيل في دمشق لعدم وجود مثل هذه الدور في محافظة حمص.
لا تلاقي هذه الظاهرة اهتماماً جدياً بالرغم من خطورتها الكبيرة على المجتمع، في ظل قلة إمكانيات لم تغفلها مديرة الشؤون الاجتماعية، وفي مقدمتها حاجتهم لمزيد من العاملين ولسيارة للقيام بالجولات، وهي من أبسط الأمور التي لابد من توفرها لتلافي استفحال هذه الظاهرة بشكل أكبر سيما وأن الأمور المعيشية في تدهور مستمر بسبب الغلاء المفرط.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة