تحذيراتٌ أم ضوء أخضر للإبادة
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
منذ أربعة أشهر وأسبوع وفور مباشرة “إسرائيل” لحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني بذريعة الرد على عملية طوفان الأقصى، ونحن نسمع مسؤولي الغرب وخاصة الإدارة الأمريكية يطالبون “إسرائيل” بتجنيب المدنيين شرور الحرب وتقديم المساعدات لهم واحترام قوانين الحرب، وهذا الكلام برمته لا يعني سوى شيء واحد، ألا وهو أن هؤلاء الغيورين على الشعب الفلسطيني في غزة متفقين على مناصرة “إسرائيل” في استمرار حربها وفي ذبحها للغزاويين، شرط أن يتم ذلك(بلطف)، وهذا الكلام يكرّره الأوروبيون والأمريكان على مسامع الرأي العام في بلدانهم، ويتظاهرون بتوجيهه لـ”إسرائيل”، فهم يعلمون علم اليقين أن مجرمي الحرب في تل أبيب لن يحترموا ولم يحترموا قوانين الحرب في يوم من الأيام، ولن يخففوا الحصار على غزة، ولن يسمحوا بدخول الكميات الكافية من المساعدات الإنسانية لشعب يموت من الجوع.
ولم يخفِ بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية أن “القضاء” على حركة حماس وتحرير الرهائن هو من الأهداف المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، وبالتالي فالخلاف بين الشريكين هو خلاف لفظي (لا يُفسد للودّ قضية)، لأن الموضوع لا يتعلّق بمعارضة واشنطن لحرب الإبادة أو تدمير المنشآت المدنية بما فيها المساكن ودور العبادة والمدارس ومقار الأونروا، وإنما بتحسين صورة الحرب أمام وسائل الإعلام التي تنقل الحدث دون مونتاج أو رتوش، وطالما أن تحسين صورة الحرب الإسرائيلية يبدو مستحيلاً فلا بأس أن تلجأ واشنطن إلى تصريحات توهم الرأي العام داخل أمريكا وخارجها بأن هناك خلافات جوهرية في الوسائل المتبعة للوصول إلى الأهداف المشتركة بين تل أبيب وواشنطن.
إن نتنياهو وبايدن وحكومات الغرب يطمحون لمحو المقاومة الفلسطينية، وهم يعلمون في الوقت نفسه أن ذلك مستحيل؛ لأنها مقاومةٌ منبثقة وملتصقة ومعبّرة عن إرادة شعب يرنو للتخلّص من نير الاحتلال، بغض النظر عن موافقة الموافقين ومعارضة المعارضين لنهج حماس، ويعلمون أن هذه الحرب هي ضدّ الشعب الفلسطيني والهدف الأبرز لها تدمير ما بناه فوق أرضه وتحويله إلى أنقاضٍ غير مناسبة لاستمرار الحياة، والتالي إجبار الفلسطينيين على الهجرة قسرياً إلى مصر أو إلى جزيرة في البحر وفق ما اقترح وزير خارجية “إسرائيل” قبل أسابيع.
كذلك نجد نتنياهو يعلن أنه سيفتح ممراتٍ إنسانية للمدنيين ونقلهم خارج رفح لتنجح العملية العسكرية فيها، على الرغم من أنه لم يبقَ مكان آمن في غزة، فيما يوزّع جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات مناقضة لكلام نتنياهو على وقع قصف مدمرٍ لأنحاء مختلفة من رفح لا تعكر صفو معارضي العملية العسكرية الشاملة من مسؤولي الغرب، وعملياً فإن الحرب والقصف وقتل المدنيين في رفح بدأ منذ أيام وربما يستمر شهوراً لكنه لا يزعج بايدن وأياً من قادة الغرب.
فهل تكتفي حكومة الحرب في “إسرائيل” بحرب استنزاف طويلة الأمد في رفح، أم أنها ستبدأ بعملية عسكرية شاملة بعد أيام ضاربة بعرض الحائط التهديدات المصرية بتعليق العمل باتفاقية كامب ديفيد، ومتجاهلة التحفظات الأمريكية والغربية التي اعتبرها البعض ضوءً أخضر لـ”إسرائيل”، ولو أنه مشروطٌ بالحفاظ على سلامة المدنيين التي يعلم الجميع أنها مستحيلة التحقيق.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة