تخفيض جديد للرواتب والأجور!
خاص غلوبال ـ علي عبود
لم تنتظر الحكومة طويلاً كي تستعيد “الزيادة الوهمية” التي منّنت بها العاملين بأجر، وأوحت لهم بأن دخلهم زاد بنسبة 100%!.
فبعد أقل من شهرين على سريان ”الزيادة الوهمية“ رفع مصرف سورية المركزي في 1/10/2023 سعر صرف الدولار الرسمي من 8542 ليرة إلى 11557 ليرة (لاندري سبب الدقة في الرقم 11557 وليس 11550 أو 1560ليرة) أي بمقدار 3015 ليرة.
ولا نحتاج إلي محللين أو خبراء اقتصاديين كي نكتشف بأن هذا الرفع لسعر الدولار الرسمي يعني تخفيضاً جديداً للرواتب والأجور.
نعم، انخفضت القيمة الشرائية للحد الأدنى للأجور بعد ”الزيادة الوهمية“ بنسبة 100% (187260 ليرة) من 22 دولاراً تقريباً إلى 16.2 دولاراً فقط وكانت القيمة الفعلية للحد الأدنى للأجور في عام 2021 بحدود 37 دولاراً، وانخفضت القوة الشرائية للعامل من الدرجة الأولى الذي بلغ السقف وهو 312940 ليرة من 36.6 دولاراً بعد الزيادة الوهمية بنسبة 100 إلى 27 دولاراً.
ولو قارنا أجور العاملين بين عام 2021 والأجر الأخير، فسنفاجأ بأن السياسة الثابتة للحكومة هي التخفيض المستمر لرواتب العاملين في الدولة، وما يُسمى ”زورا“ بزيادة الرواتب الأخيرة بنسبة 100% ليست سوى أكذوبة، بل هي تضليل لملايين العاملين بأجر.
خلال عامين فقط انخفضت القوة الشرائية لمن يتقاضى الحد الأدنى (مثل غالبية المتقاعدين) من 37 دولاراً إلى 22 دولاراً، ولمن وصل إلى سقف الأجر من 52 دولاراً إلى 27 دولاراً.
ومن الملفت جداً ليس التخفيض المستمر للرواتب والأجور، وإنما الفارق الهزيل جداً بين الحد الأدنى (22 دولاراً) والحد الأعلى (27) دولاراً أي الفارق بين الموظف المعين حديثاً والملّم بالقراءة والكتابة فقط، وبين حامل الدكتوراه والذي بلغ السقف لايتجاوز كقوة شرائية 5 دولارات فقط.
إذا كانت الحكومة منذ عام 2012 تكرّر معزوفة (شغلنا الشاغل تحسين الأوضاع المعيشية للموطنين) فلماذا لاتتوقف عن تخفيض القوة الشرائية لملايين الأسر السورية؟.
مالفتنا، بل واستفزّنا، تبرير مصرف سورية المركزي لرفع سعر الصرف الرسمي وهو ”تخفيف الفجوة السعرية بين نشرات أسعار الصرف“، والسؤال بالتالي: لماذا لاتقوم الحكومة بتعديل الرواتب والأجور بهدف ”تخفيف الفجوة بين الأجور وأسعار السوق“؟.
أكثر من ذلك، قد نتفهم أن ليس بمقدور الحكومة تحمّل زيادة فعلية للرواتب إلى الحد الذي يكفي شراء متطلباتهم من السلع والمواد الأساسية، لكننا لن نفهم ولن نتفهم إصرارها على تخفيض الأجور كل بضعة أشهر إلى أن أصبح دخل ملايين العاملين هزيلاً جداً، ولا يُقارن بدخل أي دولة في العالم!.
حسناً، بما إنكم لاتريدون زيادة الأجور سواء لعجز أم قصاد، فعلى الأقل لاتخفضوها مع كل هبّة أسعار تعصف بالأسواق، وإلى حد أن أجور النقل للوصول إلى مراكز العمل تكاد تشفط كل الراتب الشهري.
وعندما يكشف أستاذ جامعي بأنه يمارس مع زوجته خمسة أعمال إضافية كي تتمكن أسرته من الحصول على دخل بالكاد يكفيها لتأمين مستلزمات المعيشة لمدة شهر، فكم عدد العاملين الذين تتيح خبراتهم وإمكاناتهم ممارسة عمل إضافي واحد فقط؟.
ولا يبدو بأن الحكومة مهتمة ولو قليلاً بما كشفه الكثير من الصناعيين، وخاصة المنتجين للمواد الغذائية على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها (كمربي الدواجن والثروة الحيوانية) خلال الأشهر الأخيرة بأنهم قاموا بتخفيض إنتاجهم بسبب قلة الطلب الناجم عن ضعف القدرة الشرائية.
وإذا كانت الحكومة جادة فعلاً بزيادة الإنتاج المحلي، فإنها لم تجب على السؤال: من سيشتري السلع والمواد الناتجة عن زيادة الإنتاج؟.
نعم، زيادة الطلب تتطلب زيادة الدخل، وهذه الدورة الاقتصادية للطلب والعرض لايمكن أن تتحقق بالتخفيض المستمر للرواتب والأجور كل بضعة أشهر.
الخلاصة: بما أن الشركات والجهات العامة تقوم بتعديل أسعارها مع كل تعديل لسعر الصرف، وبما أن أرباب المهن والحرف يقومون أيضاً بتعديل سعر خدماتهم كي يؤمنوا دخلاً يزيد عن احتياجاتهم، فلماذا يبقى العامل بأجر دون غيره من شرائح المجتمع الوحيد الذي تتراجع قوته الشرائية رغماً عنه بقرارات حكومية تستهدف ماتبقى من أجره الهزيل؟.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة