خبير اقتصادي: سوء ادارة الحكومة وراء ارتفاع الأسعار و لا خيار عن معالجة الرواتب
ماذا بعد:هي عبارة اسمعها كل يوم تتردد في الأسواق ممن انهكهم الغلاء وضيق الحال فمن غير المعقول أن لا تستقر الأسعار ولو ليوم واحد وكأنها في حركة مستمرة صعوداً دون معرفة الأسباب لهذا الارتفاع اليومي فأن نتأثر بالحرب الروسية الاوكرانية هذا أمر مفروغ منه شأننا في ذلك شأن جميع دول العالم خاصة وأننا المنطقة الأكثر تأثراً بالحدث وما رافق هذا الحدث من ارتفاع في الاسعار العالمية مع شح في الكثير من المواد وخاصة الغذائية مما ينذر بمخاطر كبيرة تتمثل في أزمة غذاء عالمية.
ولكن هذا لا يستدعي بطبيعة الحال ارتفاعات مستمرة ومضطردة لمجرد مرور الزمن دون وجود تغييرات تستدعي ذلك في زمن قصير لا يتجاوز اليوم الواحد وهذا ما يجعلنا نقف مطولاً لمعرفة الاسباب المؤدية لذلك لنجد أننا ننفرد عن العالم بعنصرين رئيسيين:
اولهما سوء ادارة الملف الاقتصادي من قبل الحكومة والثاني هو الثقافة المتجذرة في عقلية التاجر السوري في اقتناص الفرص لتحقيق ارباح متصاعدة وعدم تنازله حتى ولو جزء يسير من نسب ارباحه مهما كانت الظروف التي تستدعي ذلك ومن خلال مراقبة الأسواق نجد انتشار ظاهرة الاحتكار بشكل لم نعهده من قبل.
واعتقد أن حجج التجار بأن ندرة أو قلة المعروض من بعض السلع الاستهلاكية مرده إلى تهافت الناس على الشراء بكميات تزيد عن الحاجة فهي حجج واهية لأن تأثير ذلك يبدو بسيطاً ليس لدرجة فقدان بعض المواد من الأسواق لأن مخازن التجار وبكل فئاتهم فيها الكثير من هذه المواد وهي لا تطرح في الأسواق إلا بعد دراسة التكاليف العالمية الجديدة وضمان استيراد البديل منها وتسعيرها على اساس تكلفة استيراد البدائل لا على دراسة تكاليف استيراد تلك المواد وهذه بكل شفافية سرقة بكل معنى الكلمة ولا بد من معالجة هذه المشكلة وبالسرعة المطلوبة حتى لا نصل كعادتنا إلى مرحلة العجز بسبب حكمتنا الزائدة والتروي في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.
ولأننا وباعتراف الشعب السوري بأكمله وبكافة شرائحه بعجز الحكومة عن التحكم بالأسواق ولو جزئياً ومهزلة التدخل الايجابي التي تغنت بها الحكومة ومازالت فلا بد والحالة هذه إلا أن ننطلق في اتخاذ آليات معالجة مختلفة انطلاقاً من هذا العجز لأننا ننطلق من واقع وليس شعارات واوهام ومن هنا نقترح التالي:
🔷 حرية مطلقة للأسواق وتحرير حركة الاستيراد على مبدأ السماح باستيراد كل شيئ ما عدا الممنوعات ولمن يريد الاستيراد وعدم التدخل في التسعير وترك السوق ليتوازن لوحده بما في ذلك الاسعار التي ستحددها المنافسة .
🔷 عدم تمويل المركزي لأي مستورد مهما كانت طبيعة المواد المستوردة إلا في حالات خاصة جداً ومحددة كأغذية الأطفال وكافة المستوردات الخاصة بالسورية للتجارة . .
🔷الغاء الدعم بكافة أشكاله وتعويض الأسر المستحقة للدعم بمبلغ نقدي يقابل هذا الدعم .
🔷تفعيل دور السورية للتجارة من خلال استيراد مواد محددة لصالحها لتبقى مساهمة كحالة توازن في توفير المواد الضرورية ولو كانت الاسعار قريبة من الأسواق بشكل كبير .
🔷 اعادة النظر في آلية دعم الانتاج بشقيه الزراعي والصناعي بحيث يضمن عدالة الدعم من جهة ولتوفير مستلزمات الانتاج الزراعي لضرورتها في المرحلة الحالية واعطائها الاولوية وخاصة فيما يتعلق بموضوع توزيع الطاقة الكهربائية وكذلك توفير المازوت الزراعي وبسعر مدروس بحيث لا يرهق الخزينة لأن دعم الزراعة هو السبيل الوحيد لينقذنا من مجاعة قادمة يجب أن نتحوط لها وبجدية كبيرة وعلينا توقع اسوء الظروف حتى ننجوا لأن التفاؤل ليس هنا مكانه .
🔷قيام المصرف المركزي بخطوات من شأنها زيادة الاحتياطي من القطع الأجنبي وذلك من خلال الحفاظ على الموجود وزيادته بشكل مضطرد عن طريق التوقف عن تمويل المستوردات و استبدال بعض الرسوم بالعملة الصعبة كرسوم المغادرة للمسافرين وكذلك رسوم السيارات المغادرة والداخلة الى القطر إضافة لإعادة النظر في تسعيرة الحوالات الخارجية وبسرعة قبل دخول شهر رمضان لتصبح قريبة من السوق الموازي منعاً من ضياع أي مبالغ ولو بسيطة بالتحويل خارج القنوات الرسمية تهرباً من فرق السعر.
🔷قيام الحكومة بتشكيل مجلس استشاري من المعارضين لقرارات الحكومة موازياً للمجلس الاستشاري الموجود حالياً وعرض القرارات مع الخلافات في الرأي على الاعلام وبشفافية قبل اتخاذ هذه القرارات وبالتالي يصبح من مهام الحكومة صنع معارضيها بالتوازي مع صنع مؤيديها لأن المصفقين لهم دور كبير في صنع القرار لأن البعض من بطانة الحكومة غايته رضاها والبعض الآخر يتم اختياره أصلاً كشخص مضمون الولاء سلفاً وقد لمسنا في كثير من الحالات اختيار العديد من الشخصيات كمكافأة لهذا الولاء .
🔷لا خيار عن معالجة الرواتب وبشكل يضمن الحد الأدنى من تأمين متطلبات الاسرة الاساسية وبأي شكل حتى ولو كانت المعالجة عن طريق زيادة الاصدار النقدي لأن عيوب ومخاطر هذا الأسلوب هو أقل بكثير من العيوب والمخاطر الناتجة عن تدني الرواتب بوضعها الحالي .طبعاً هذا لا ينفي أن تكون هناك وسائل مساعدة لتأمين رفع الرواتب وتحرير الأسواق وضمان حرية التجارة من شأنه أن يشكل رافداً مهماً للخزينة العامة مع المضي قدماً بتحقيق التحصيل الضريبي العادل .
مدير عام سابق للمصرف الصناعي- الدكتور علي كنعان
طريقك الصحيح نحو الحقيقة