خبر عاجل
استمرار لخطوات التمصرف والتحول الإلكتروني… مدير الدفع الإلكتروني في التجاري السوري لـ«غلوبال»: إضافة 21 كازية جديدة إلى منظومة الدفع الإلكتروني غلاء مستلزمات الإنتاج يرفع أسعار العسل… مدير زراعة السويداء لـ«غلوبال»: الإنتاج المتوقع أقل من السنوات الماضية إجراءات لتأمين عودة الأهالي وترميم الأسواق التراثية… مدير كهرباء حمص لـ«غلوبال»: توزيع المحولات الواردة فوراً وتركيب 2‐3 منها أسبوعياً الانتخابات ستكون إلكترونية… عضو غرفة تجارة دمشق لـ«غلوبال»: الأولوية تشكيل الأعضاء المناسبين وتجاوز الأخطاء السابقة حسام جنيد يعلّق على خبر حصوله على هدية من “رجل أعمال” عمل كوميدي يجمع سامية الجزائري ونور علي وأيمن عبد السلام في رمضان 2025 ما التصنيف الجديد لمنتخبنا الوطني الأول؟ ما دور هوكشتاين بتفجير أجهزة البيجر في لبنان؟ “العهد” يحاكي البيئة الشامية برؤية مختلفة يعرض في رمضان 2025 اللاعب إبراهيم هيسار ينضم لنادي زاخو العراقي
تاريخ اليوم
خبر عاجل | رأي و تحليل | نيوز

زبائن التوفير إلى التقتير

خاص شبكة غلوبال الإعلامية – شادية اسبر

شاءت الصدفة أني اضطررت لمراجعة فرعين لمصرف التوفير في محافظتين خارج العاصمة، لتكون محطتي الثالثة في أحد أفرعه بدمشق.

بين منفذ الإيداع ومنفذ السحب، صورة تعكس الحال التي آلت إليها الأحوال.

سابقاً كان التوجه العام في الاقتصاد الأسري مبني على فكرة التوفير، كنا نقف طوابير بالانتظار في أفرع المصرف الذي حمل الاسم ذاته “مصرف التوفير”، وخاصة بداية الشهر أو نهايته، بانتظار دور لإيداع مبلغ خُصص من الراتب الذي كان محترماً، أو إيداع ما بقي منه نهاية الشهر أيام كان يكفي للمصروف ويزيد.

شرائح المجتمع السوري، تواجدت في تلك الطوابير أمام كوات الإيداع حينها، آباء تبرق عيونهم فرحاً بطفل يتحدثون عنه، يسألون عن كيفية فتح حساب باسمه، ما هي الميزات التي يتمتع بها حساب الأطفال، كانت العادة الدارجة بين السوريين أن يفتح الآباء حساب توفير باسم مولودهم الجديد، يودعون فيه مبلغاً شهرياً يساعده في مراحل دراسته الجامعية، هي عادة مارستها الأسر السورية لسنوات طوال، قبل أن تأتي الحرب فتقضي عليها كالكثير من العادات.

لا طوابير اليوم أمام كوات الإيداع في فروع مصرف التوفير، تبدلت الحال، وانقلبت الصورة، وللقصة شجون.

اليوم كان أبو أحمد ((45 عاماً)) يقف أمام كوة السحب، ويضع دفتر ولده ذي الخمسة عشر عاماً، ليسأل الموظفة: “بدي سكر هالدفتر باسم ابني، واسحب كامل المبلغ”.

فترد: “ليش؟”

يجيبها دون أي ثانية تأخير: ” ما عاد محرز، يادوب جبلو فيون لوازم المدرسة”.

في الطوابير ذاتها ـــ أيام العزــــ كنت تشاهد سيدات ورجال في مرحلة عمرية قريبة من سن التقاعد، لهؤلاء قصة عادة أخرى تقول: “رح شيل مبلغ لآخرتي”، مبلغ يحفظ فيه كبار السن ماء وجوههم، ويمنعون عن أنفسهم ذل الحاجة، حتى لو كانت لأبنائهم، هذه أيضاً أتت عليها الحرب اللعينة.

على كوات السحب اليوم، سيدات ورجال في مرحلة عمرية قريبة من التقاعد، يسحبون إيداعاتهم، في شعور عام “عيش يومك”، وأحاديث جانبية بينهم: ” اشتغل فيون شو مكان أو اشتري أي شي أحسن”.

في الماضي كان من زبائن مصرف التوفير شباب وشابات تتراوح أعمارهن بين العشرين والثلاثين، حينها شكلوا النسبة الأكبر في الطوابير، فهم أبناء مجتمع يافع، الشباب فيه قادرون على التوفير، وتأمين مستقبل مقبول نسبياً من المبلغ الذي يقومون بتوفيره كفائض عن مصروفهم.

المشهد اختلف، الكفة حالياً لمصلحة أعداد الشابات على حساب الشباب الذين اختفوا من المساحة المتوفرة في بهو المكان.

منال وصديقتها ((بعمر متقارب يبدو أنهما في ثلاثينياته))، على الكوة المجاورة، يقدمان دفتريهما، ويكملان حديثهما.

منال: “منستأجر محل ومنفتحو مكتبة”.

الصديقة: “منتقاسم الدوام فيه بيناتنا، إذا حطينا حدا ما بتوفي”.

منال: “أكيد، برأيي نفتح مكتبة أفضل من أي شي تاني”.

الصديقة: “ما بعرف، بس ناخد المصاري منفكر ومنشوف”.

حالات تنسحب على كثيرات مثلها.

في زمن ليس بعيداً، ثقة كبيرة شعر بها زبائن المصارف الحكومية، فمصرف التوفير كان الملاذ الآمن والأكثر ثقة لشريحة الموظفين وأصحاب المهن المتوسطة والصغيرة، بينما كان التجاري والصناعي والعقاري للشرائح الأخرى كالتجار والصناعيين والعاملين في قطاع العقارات، في وقت كان للزراعي قصة إدارة مميزة تقدم الدعم لأهم القطاعات في بلد زراعي.

لم يعد مصرف التوفير ذاك الملاذ، الشريحة التي غصت بها أفرعه ما قبل الحرب، تلاشت بعدها، والراتب الذي كان كافياً لتغطية المصروف الشهري ويزيد، لم يعد يكفي لأيام، حتى قرارات وتعليمات المصرف ذاتها باتت عبئاً على الزبائن، فوضع حد للسحب اليومي ((200 ألف ليرة سورية))، شكّل ضغطاً نفسياً ومادياً واجتماعياً على عملاء المصرف، الذين باتوا يشعرون بأن أموالهم ليست في متناولهم بأي لحظة، وربما تكون لحظة حاسمة في حياتهم يحتاجون أموالهم فيها كأكثر الأيام حاجة.

لا شيء أكثر من شعور غصة، وأنت شاهد على عصرين، يفصلهما سنوات زمنية لم تتجاوز الاثنتي عشرة، لكنها نقلتنا من عصر إلى آخر، ليكون كل حديث في كل موضوع هو مقارنة بين حالنا ما قبل الحرب واليوم، ومختصر المشهد، كيف انتقالنا من التوفير إلى التقتير في “زمن التعتير”.

طريقك الصحيح نحو الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *