سورية و إستراتيجية استثمار الممكن
خاص غلوبال – سامي عيسى
لنعيد النظر قليلاً إلى الوراء، ونمعن في الحالة الاقتصادية السورية خلال العقد الذي سبق سنوات الحرب والمؤامرة الكونية، التي استهدفت كل مكونات المجتمع وبنيته الاقتصادية والخدمية والاجتماعية، وقبلها الأخلاقية والفكرية والعلمية، نجد أن حالة من الازدهار لم ترق للأعداء والمتربصين بهذا البلد طمعاً بخيراته، وغيرها من أسباب حب السيطرة وإذلال الشعوب وغير ذلك من مفردات ظهرت لاحقاً اثناء حالة الهجوم الكوني الذي بدأ في العام 2011 ومازال مستمراً بطرق مختلفة.
إلا أن التركيز في الاستهداف كان على النوع سواء في الكفاءات والخبرات البشرية، أم في البنى الاقتصادية والخدمية، وأخرى في التعليم والثقافة والأخلاق المجتمعية لتغيير نمط العيش والسلوك وغير ذلك كثير.
لكن الاستهداف الأخطر كان للبنى الخدمية التي تشكل القوة الأساسية للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، فكانت عمليات التخريب الممنهجة لضرب البيئة التي تحمل مكونات البناء، وتأمين مصادر القوة من خدمات وطاقة وغيرها لمنع الدولة السورية من إعادة تشكيل قوتها الاقتصادية وتحسين الواقع الخدمي والمعيشي للمواطن السوري، وإيجاد شرخ كبير بين الحاجة الفعلية وما هو مطلوب للعيش بمستوى اجتماعي وأخلاقي يحصن الأسرة والمجتمع على السواء، من أي تأثيرات فرضتها سنوات الحرب وما أعد لتفتيت الحالة الأخلاقية للمجتمع السوري.
وبالتالي لابد من وضع رؤية شاملة تواكب الحداثة والتطور و تتبنى استراتيجية واضحة، يتم من خلالها توفير مقومات استثمار الموارد والطاقات المحلية بكفاءة عالية، تسمح بتأمين القوة الاقتصادية وديمومتها في كافة المجالات، وتكون المساهم الأكبر في إعادة الإعمار، والبداية تكون في البنى التحتية الحامل الأكبر لأي نشاط إنتاجي، والمساحة الواسعة لجذب الاستثمارات التي تعيد بوصلة الاستثمار نحو قطاعات مهمة، تستحق الاهتمام تعرضت للتخريب بسبب الإرهاب ونتائج الزلزال الأخيرة على الواقع الاقتصادي والخدمي.
وبالتالي هذا لن يتم إلا بوضع رؤية تتضمن خطة قابلة للتنفيذ، تسمح بانتفاع أمثل للموارد الطبيعية، واستثمار أفضل للطاقات المتجددة وتوفير الاحتياجات المطلوبة من محروقات وغاز ومشتقات نفطية، وفق نظام يرفع من كفاءة الاستخدام وتطبيق سياسة ترشيد استهلاك تحقق الغاية والهدف من كل ذلك، ونبني عليها استراتيجية تحمل مجموعة من الأهداف تتضمن ”رؤية نحب أن نراها في سورية الجديدة“ التي خرجت من حرب مدمرة استمرت لأكثر من 13 عاماً نذكر منها على سبيل المثال: تحقيق الأمن الطاقوي بالاعتماد على الموارد المحلية من مشتقات نفطية وكهرباء وغيرها وتخفيف أعباء الاستيراد، الأمر الذي يعزز من القيمة المضافة للاقتصاد السوري، مروراً بتأمين منظومة نقل متطورة تتماشى مع الامكانات والحاجة لها، ولاسيما أنها تشكل عصب التنمية في كافة المجالات،هذا الكون متوافر على أرض الواقع ولاسيما أن مكانة سورية، وموقعها الجغرافي تشكل عقدة ربط إقليمية كبيرة ومهمة مع دول المنطقة، على صعيد النقل البري والبحري والجوي وغيرها من المقومات التي تعزز مكانة سورية الاقتصادية ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى الإقليمي والدولي.
والأمر الذي لا يقل أهمية عما سبق إيجاد أرضية واضحة، تسمح بالوصول الى امتلاك ميزات تنافسية للمنتجات الوطنية، والخدمات المحلية تمكن الدولة السورية من تحقيق معدلات نمو اقتصادية متسارعة، وترفع من مستويات الأداء الكلي، وتؤمن منظومة عمل يتوافر فيها رأس المال والسلوك الاجتماعي الذي يتماشى مع تطورات المرحلة، إلى جانب انتشار ثقافة المسؤولية الاجتماعية التي تعزز من مكانة الثقة المتبادلة بين كافة الأطراف الفاعلة في المجتمع السوري.
هكذا نحب أن نرى سورية بكل مكوناتها الاقتصادية والخدمية والاجتماعية والعلمية، وهذه الصورة الواجب رسمها ووضع الاستراتيجيات لتطبيقها، لأن الواقع يفرض ذلك، وحقائق التاريخ تشهد على مكانة الشعب السوري في كل الأزمان والأوقات، وفي مختلف الظروف.
قادمات الأيام تحكي لنا ترجمة هذه الرؤى والاستراتيجيات لتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي، والأيام القادمة تحمل الكثير من التفاؤل الإيجابي بإذن الله.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة