شركات ورقية حان وقت قطافها!
خاص غلوبال – هني الحمدان
يرتبط نجاح أي شركة بإنتاجها وتسويقها الناجح، ومادام تحقق الإنتاج ذي الجودة ومستمرة ضمن حلقات المنافسة، فهذا يؤشر على تفهمها لآليات السوق ومستجداته، وهنا التغني بالأمجاد لا ينفع، ماينفع إنتاجية وخطة تسويقية رائدة، أي المقدرة على تحقيق الأرباح، وهنا السؤال: هل كل شركاتنا تسير وفق هكذا مبدأ ناجح، وما فائدة تزويد بعض الشركات شبه الميتة بالمليارات وهي تتأرجح ما بين الخسائر والتوقف عن الإنتاج، وهل هناك مؤطرات تضمن صرف المليارات على التأهيل الكامل والصحيح، أم إن عين الفساد والمفسدين ترقب عن كثب للانقضاض على تلك الأموال..؟؟!.
هناك شركات صناعية إنتاجية، عمرها عشرات السنين حققت سمعة متقدمة في سنوات خلت، نالت ما نالت من اهتمام ورعاية وصرف اعتمادات بالمليارات، تجهيزات وخطوط إنتاج وعمالة خبيرة، لكن مع مرور السنين طالها الإهمال وانتشر فيها الفساد والتجاوزات، بعضها لاقى التوقف والوقوع في الخسائر، وشركات مهمة بأهدافها وما تقدمه لجهات مرتبطة معها تسويقياً، ومع أول هزة مالية تعجز عن دفع رواتب موظفيها، شركات يمتد عمر بعضها لأكثر من خمسين سنة، وتعجز عن إدارة مخاطرها، وتفشل في وضع خطط للتصرف في أوقات الشدة.
شركات استنزفت من سيولتها وماتم رصده لها لتبقى هشة ورقية تعصف بها الدورات الاقتصادية ذات اليمين وذات الشمال، ناهيك عن ” تعفيس ” وسرقات وجهل بعض الإدارات التي تولت إدارة بعضها، حيث ” الدعم ” جاء بأشخاص غير مؤهلين للإدارة ولا بأي اختصاص أيضاً.
والضحية كالعادة هم الموظفون والعمال المغلوب على أمرهم والذين يبقون بلا رواتب، والضحية أيضاً مشاريعنا التنموية التي أقرت لينعم الجميع ببنية تحتية متحضرة وراقية، أما إدارات هذه الشركات ووزارة الصناعة، فلا هم يتأثرون ولا ما هم يحزنون، فقط يطالبون بالتأهيل وزيادة الاعتمادات، وماذا كانت مخرجات تلك المليارات ياترى..؟.
بعد مطالبات عدة، وافقت الحكومة على تخصيص ٦ مليارات ليرة لتأهيل شركة ألبان دمشق، وهنا نسأل هل بهذا المبلغ ستقلع الشركة بكامل خطوط إنتاجها وتحقق المنافسة المطلوبة والمنتج الجيد أم سيصب في خانات الترقيعات ويضيع كما ضاع غيره..؟.
فالشركة عاجزة عن تأمين موادها الأولية، والفساد خرب ودمر جزءاً كبيراً من تجهيزاتها ما أدى لخروج بعض خطوط إنتاجها من الخدمة، حتى اللبنة مؤخراً خرجت من دائرة الإنتاج كما خرجت سابقاً السمنة والقشقوان والحليب..!.
المشكلة تكمن في عملية الاستنزاف المقصودة، وترك هذه الشركات بلا ملاءة مالية تذكر، وعدم وضع حد للفساد الذي خرب كل شيء، وكأنه استنزاف ممنهج ومقصود يعلم من يقوم به بنتائجه..!.
ألبان دمشق خرجت من حلبة المنافسة كلياً، أمام ورش صغيرة ليست بمقدرة على مجابهة شركات خاصة توازيها، وإذا لم تستطع العودة للسباق وتحقق الصدارة لن تنفع أي كمية من مليارات الحكومة لإنعاشها وعودتها للإنتاج ولكل الأصناف والأنواع وبقوة يشار إليها..!.
وهنا إما أن تكون شركة أولى في هذا المجال، أو يكون إلغاؤها كلياً وإغلاقها والاستفادة من عمالها وخطوط إنتاجها بمسعى إنتاجي آخر، وهذا من الصعب تحقيقه أو السير وفق مقتضاه..!.
الجميع يأمل عودة مأمونة معززة بالإنتاج الكبير وتشق طريقها لاستقطاب جمهورها الذي نسي منتجاتها، الآن العقبات والتحديات للمشاريع موجودة،فالانهيارات والتعثرات بالجملة، وما لم تحل مشكلة القطاع الصناعي المترنح ككل فسنشهد نفس المشكلة في الدورات الاقتصادية القادمة بوقوع خسائر بالخسائر وتوقف أخرى، وفقدان شركات جديدة تتسابق للخلف وتسجيل اسمها في قائمة الفشل.
ينقص الشركات العامة اليوم بناء منظومة متكاملة من التحالفات، بناء شركات ذات احتياطات مالية تمكنها من العمل باستمرارية في الدورات الاقتصادية المتقلبة بطبيعتها، على أن تدار مخاطرها بما يمكنها من وضع سيناريوهات للحالات الاقتصادية تضمن معها عدم التعثر في تنفيذ المشاريع التنموية والتي تمس حياة المواطنين واحتياجاتهم.
شركات كنا نعتقد أنها تملك الحد الأدنى من القدرة على إدارة مخاطرها ومن ينافسها، فإذا بها تظهر على حقيقتها مع أول دورة اقتصادية هابطة أو ظهور تحديات ما، شركات ورقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، أساءت استخدام الدعم واستنزفته، شركات حان وقت قطافها وبلا رأفة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة