شيخوخة ”الأخ“المواطن المبكرة..؟!
خاص غلوبال – رحاب الإبراهيم
اعتدت منذ أعوام طويلة، الذهاب في نهاية كل شهر حينما كان الراتب “محرز” قبل تآكله حد العدم، إلى سوق البزورية في دمشق القديمة لشراء أعشاب طبية كنت أخصص لها مبلغاً لو صغيراً، وبقيت محافظة على هذه العادة الصحية عند انتقالي إلى مدينة حلب، مع فارق بسيط أن محال هذه المنتجات تنتشر في كل مناطق العاصمة الاقتصادية، داعية المارة بروائحها العطرة إلى الشراء، وإن طالها داء الغلاء كغيرها من السلع لكنها تبقى أرحم من أسعار الأدوية الكاوية، التي أصبح الناس بسببها يخشون المرض بسبب عدم المقدرة على تأمينها.
عادة شراء الأعشاب العطرية، التي هي من إنتاج أرضنا البرية أو تزرع بقصد الرزق وكسب العيش، حيث لم يصلها داء الاستيراد،فسورية تمتلك مخزوناً كبيراً من هذه الثروة،التي تصدر بعض منتجاتها، مكنتني من الوقاية من أمراض عديدة وأيضاً من الشفاء منها في أحيان أخرى، لكن تبقى الوقاية خير من قنطار علاج، كما حفظت لجيوبي بعضاً من قروش الراتب الهزيل، الذي يقف أصحابه عاجزين عن شراء هذه المنتجات الطبيعية بتكلفتها المقبولة، فكيف بأسعار الأدوية، التي لا يتردد صناع القرار في رفعها كل فترة من دون اكتراث بمقدرة المستهلكين على تأمين ثمنها.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، كيف لا يستطيع أصحاب المعامل ذوي الملاءات المادية الجيدة تحمل تكاليف الانتاج، بينما يعتقد المسؤولون أن المواطن قادر بإمكاناته المحدودة على مواجهة غلاء الدواء، فهل يمتلك المواطن “السوبرمان” مقدرات خارقة لتحمل كل هذه الضغوط، بينما لا يستطيع من يملك المال تحمل أي ضغط أو خسارة إن كانت هناك خسارة أصلاً، مع أن المسؤولية الاجتماعية تفرض في هذه الظروف الصعبة تحمل بعضاً منها بدل جني الأرباح والشكوى المستمرة على الطالع والنازل،لكن كثرة الدلال يفسد، والمصالح تحكم، ضاربة عرض الحائط مصلحة الخزينة والمواطن.
وهذا يدلل أن معادلة التسعير اليوم سواء فيما يتعلق بسعر الدواء أم المواد الغذائية والمشتقات النفطية تشهد خللاً واضحاً كونها تعتمد على الطرف الأضعف،فكيف تستقيم الأمور عند أصحاب القرار لرفع أسعار هذه المواد استجابة لطلبات أهل المال متناسين الأجر الشهري المحدود، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشية والفقر إلى هذه المستويات المقلقة.
رفع سعر أي مادة وخاصة الدواء، الذي قد يعزف أصحاب المعامل بعد فترة على وتر الخسارة ورفع السعر أفضل من فقدانه، يتوجب أن يكون خطاً أحمر، فأي زيادة أخرى لن ترفع تكلفة المعيشة فقط، وإنما ستزيد معدلات رفع الضغط والجلطات، فإذا كان مريض الانفلونزا يحسب ألف حساب لدخول الصيدليات التي أصبحت كالمتاجر تبيع على هواها، فكيف بمرضى الأمراض المزمنة والأورام.
رفع أسعار الدواء غير المبرر، دفع كثر إلى الطب البديل، الذي يعد نافعاً لأمراض كثيرة، لكن أحياناً لا مفر من شراء أدوية لبعض الأمراض بأسعارها المكلفة، بالتالي في حال رغبت وزارة الصحة جبر خواطر أصحاب معامل الأدوية وإرضاء جيوبهم، يفترض ألا يكون ذلك على حساب المواطن وصحته، وهذا بالإمكان تحقيقه عبر دعم قطاع الأدوية بطرق أكثر جدوى كإعفاء مستوردات المواد الأولية لقطاع الأدوية من رسوم معينة أو تقديم احتياجات صناعتها بأسعار مخفضة أو الإعفاء من الضرائب لفترة معينة وغيرها من خطوات متاحة، فلماذا يتم تجاهلها ويعتمد على “الأخ” المواطن، الذي بسبب كثرة الضغوط والصدمات لم يعد ينفع معه لا أعشاب طبية ولا أقوى الأدوية فعالية في شيخوخة مبكرة فرضتها القرارات الارتجالية وجشع أصحاب الجيوب والبطون الممتلئة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة