“شيوخ الاحتكار” يؤزمون معيشة السوريين المنهكة… و”التجارة الداخلية” تلحقهم وتقر تسعيرتهم…فمن تحمي؟!
خاص شبكة غلوبال الإعلامية – بقلم: رحاب الإبراهيم
قبل وضعها تحت عباءة وزارة التجارة الداخلية، كان هناك هيئة “طويلة عريضة” معنية بدعم المنافسة ومكافحة الاحتكار، وأدائها لا يقدم ولا يؤخر كحال أغلب مؤسساتنا بحيث اقتصر دورها على إعداد تقارير راصدة لحال الأسواق والأسعار، لذا اتخذ قراراً حينها بإتباعها بوزارة التموين، التي كان يُظن أنها قادرة على إخراج “الزير من البير”، ولن نقول أن بعض الظن “أثم” لكن الوزارة “الميمونة” سقطت كهيئة مكافحة الاحتكار في مطب الفشل منذ إنشائها وحتى الآن بدليل حال الأسواق الفوضوية وتحكم التجار بتسعير السلع واحتكارها.
ونحن هنا لسنا بوارد تقييم هذه الهيئة “المنحلة”، لكن الإشكالية أن مديرها آنذاك الذي استلم كرسيها لسنوات طويلة كان يصر دوماً وخاصة إذا كان في حضرة التجار على وجود احتكار قلة فقط، في وقت كان حيتان السوق خارج حيطان المكاتب يفرضون تسعيرتهم ويحتكرون السلع على المكشوف، بلا مقدرة لوزارة التجارة الداخلية والجهات المعنية بمراقبة الأسواق على رد بلائهم، وخاصة مع تجريد الرقابة التموينية من كل أدوات عملها اللازمة وتحديداً بعد تفريع قانون حماية المستهلك الجديد من مفاعيله القوية في ضبط الأسواق وقمع المخالفين كرمى لعيون أهل المال.
وعموما فعل الاحتكار الجسيم موجود في أسواقنا من “يوم يومها” لكن سنوات الحرب السوداء زادته أضعافا، فسابقاً كان هناك محتكر واحد لكل مادة مستوردة لدرجة أنه كان يلقب بين أهل التجارة أنه شيخ استيراد هذه المادة أو تلك كالسكر أو الرز أو المتة وغيرها، ويحرم على اي تاجر مجرد التفكير باستيراد السلعة التي يسيطر عليها هذا التاجر أو ذاك، واليوم كسر هذا “التابو” عبر فتح باب الاستيراد لعدد أكبر من التجار، لكن رغم ذلك ظلت الأسعار المستوردة مرتفعة السعر، بحيث لم ينفع ما يسمى “التدخل الإيجابي” في كبح تسعيرتها الكاوية وخاصة أن مؤسسات هذه التسمية الجميلة لا تستورد سلعها بنفسها وتوكل هذه المهمة لتجار يفرضون شروطهم، ما يجبر وزارة التجارة الداخلية التي أسقطت حماية المستهلك من حساباتها منذ سنوات عديدة، على التقيد بتسعيرة التجار وعدم مخالفة تعليماتهم والأدق رقبة الالحاق بأسعارهم رسمياً بدل إجبارهم على فرض تسعيرة رحيمة.
هذا الواقع يؤكده إصدارها قرار بزيادة أسعار سعر السكر رسمياً على نحو متقارب مع أسعار التجار المفروضة في الأسواق، بينما فضخ أحد التجار العارفين حقيقة لعبة أسعار السكر ودعا إلى شرائه بأقل من نصف سعره المقر، والأمر ذاته ينطبق على المتة، التي كان يتوقع أن تشهد أسعارها انخفاضاً بناء على دعوة وزير التجارة الداخلية إلى استيراد أنواع مختلفة من الباراغوي، الأمر الذي يبدو أنه أزعج محتكري استيراد هذه المادة، فأحدثوا هذه الخضة الجديدة في الأسواق، علماً أن وزارة التجارة الداخلية تعد المسبب الأول جراء عدم قدرتها على الإيفاء بما صرحت به وعدم قدرتها على حماية المستهلك من ألاعيب المحتكرين وضبط أفعالهم عند تضرر مصالحهم.
اختفاء مادتي السكر والمتة من الأسواق وجنون أسعارهما المفاجئ، يدلل ب”القلم نشرح” أن جرم الاحتكار موجود بوفرة وليس قلة فقط، والأخطر أن بعض المحتكرين يتلقون الضوء الأخضر من بعض أصحاب الكراسي أو أقله التغافل عن أفعالهم لتمرير صفقات تدر مليارات الليرات على الطرفين، ما يتطلب وضع آليات عمل جديدة تغربل المسؤولين الفاسدين والمقصرين، مع دعم توجه مؤسسات الدولة للاستيراد السلع بنفسها من دون وسطاء، وبالمقابل يتوجب أخذ المواطن موقفاً ضد من يستغله عبر مقاطعة السلع المرتفعة، التي تعد الأكثر ردعاً إذا كانت جماعية ودعمت بتطبيق عقوبات قانون حماية المستهلك المشددة، وهذه الجزيئة قد لا تتحقق.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة