صفعة قانونية دولية لمجرمي الكيان
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
هل نشكر جنوب إفريقيا على مبادرتها القانونية الإنسانية الخلاقة والمبكرة نسبياً بتقديم شكواها لمحكمة الجنايات الدولية ضد مجرمي الحرب في تل أبيب.
هل يكفي الشكر لبلد شعر بالجرح الفلسطيني ومعاناته غير المسبوقة في التاريخ منذ الأسابيع الأولى للعدوان، وهو يتعرض للإبادة من حكومة متطرفة تكتب بالأسلحة الأمريكية أفظع مأساة إنسانية في غزة والمنطقة، وسط ذهول العالم وصمته وتخاذله لوقف المذبحة بحق الأبرياء فوق أرضهم، وتدمير مساكنهم وممتلكاتهم وتهجيرهم من مكان غير آمن- وفق الوصف الإسرائيلي- إلى أمكنة أكثر خطراً؟.
لقد أتى ذاك التحرك القانوني في سياق قراءة صحيحة وجريئة لما كانت تفعله “إسرائيل” منذ اليوم الأول للحرب لأنه لا يحتاج إلى الكثير من التدقيق والاستنتاج، فما تقوم به ليس “دفاعاً عن النفس” كما يدعي مجرموها وداعموها في واشنطن وعواصم الغرب، وإنما هو انتقام ومعاقبة جماعية وتهجير قسري وحصار يمنع الماء والغذاء والدواء والهواء الصالح للتنفس، بعد أن بات محملاً بالغبار والدخان ورائحة البارود واليورانيوم المخضّب، كل ذلك مخالف لقوانين الحرب واتفاقيات جنيف، ويتطابق تماماً مع التوصيفات القانونية للجرائم على اختلاف أنواعها ومسمياتها.
لو كان العالم يستطيع أن يسمي أفعال نتنياهو ووزير دفاعه غالانت بمسمياتها، ويعتبر أن تلك الجرائم تهدّد شعوب العالم قاطبة لأنها تتجاوز كل ما أجمعت عليه البشرية من قوانين وأعراف، وأن من يعتدي عليها في غزة سيتجاوزها في لبنان وسورية واليمن وفي عواصم العالم ومدنه، فالمجرم لا يمكن اتّقاء شرّه إلا بالعقاب الزجري، والوقوف في وجهه ووجه داعميه بكل الوسائل المتاحة.
واليوم يمثّل صدور مذكرات الاعتقال من محكمة الجنايات الدولية، وتصريحات العديد من مسؤولي الدول الأوروبية، ومنهم وزير الدفاع الإيطالي، والخارجية الهولندي، وجوزيب بوريل، بأنهم سينفذون القرار، ويلقون القبض على المجرمين الإسرائيليين، انتصاراً قانونياً، بل تحوّل تاريخي مهم، وتغيير جوهري للتعامل مع هذا الكيان الذي يمارس جرائمه وسط تواطؤ دولي منذ أربعينيات القرن الماضي ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق المشروع.
كذلك فإن هذا القرار يعني أن على العالم أجمع أن يتعامل مع مسؤولي الكيان كمجرمي حرب، ولا يحق لهم أن يتحكموا بمستقبل شعوب المنطقة، أو أن يدمروا إنجازاتها الحضارية، أو يتابعوا إجرامهم دون عقاب.
ولكن السؤال الذي يكرّر طرح نفسه هنا: هل وصلت الرسالة إلى بعض العرب الذين يتفاوضون ويراهنون على التطبيع، مصدقين التصريحات الأمريكية بقرب أو ببعد الوصول إلى اتفاقات توقف الحرب؟ أو غيرهم ممن هرعوا إلى اتفاقيات تطبيع مجانية؟.
إن المسألة لم تعد مسألة المواجهة مع كيان غاصب، أو الرد على العدوان بالوسائل المتاحة، أو أن الصراع معه هو صراع وجود، بل تخطت ذلك إلى ما هو أكثر بكثير، هذا الإجرام الصهيوني المفرط تحول إلى قضية عالمية تحتاج إلى علاج عبر موقف جدّي يجيب عن التساؤل الجوهري الذي يطرحه قرار الجنائية الدولية، ألا وهو: هل يستطيع العالم أن يتعايش مع مجرمين يهدّدون بالتوسع، وبنشر القتل والدمار، ويحلمون بكيان تصل حدوده إلى ما بعد الباكستان شرقاً؟.
مع إيجابية كل ما ورد أعلاه، لكن للأسف فإن هذا الانتصار القانوني الدولي رغم أهميته، لن يستطيع مداواة جراح مئات الآلاف من الأسر المنكوبة بفقد ذويها وممتلكاتها ومساكنها ولقمة عيشها من سرطان الإجرام، الذي لا تمكن معالجته إلا بالاجتثاث عبر تحرّك دولي جاد.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة