خبر عاجل
وفاة لاعب منتخب سورية لكرة السلة غيث الشامي درجات حرارة ادنى من المعدل… الحالة الجوية المتوقعة هل باتت الحلاقة من الكماليات ودخلت في بازار “الفشخرة”… رئيس جمعية المزينين بدمشق لـ«غلوبال»: التسعيرة الجديدة عادلة تركة ثقيلة وحياة المواطن على المحك! الركود يهزم الأسواق وانخفاض في كميات الإنتاج… الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان لـ«غلوبال»: العزوف عن الشراء ساهم في ثبات الأسعار محمد خير الجراح: “الأعمال التركية المُعرّبة حلوة بس مافيها روح” ماس كهربائي يودي بحياة أم وابنتها بقرية كفرفو بطرطوس… رئيس بلدية الصفصافة لـ«غلوبال»: حين وصول الإطفائية كانتا في حالة اختناق إرهابٌ سيبراني متصاعد لإبادة المدنيين مناقشةتحضيرات الموسم الجديد… رئيس دائرة التخطيط بزراعة الحسكة لـ«غلوبال»: الموافقة على عدد من المقترحات للتسهيل على الفلاح وزارة الخارجية والمغتربين تدين الاعتداء الصهيوني على الضاحية الجنوبية في لبنان
تاريخ اليوم
خبر عاجل | رأي و تحليل | نيوز

صناعة اليأس والجوع كافر؟!

خاص حلب – رحاب الإبراهيم

في جولة “مكوكية” لا تشبه جولات مسؤولينا، الذين لا يترددون في عز دين الأزمات في الهروب إلى جولات التتبع المكلفة لمشاريع غير موجودة أحياناً أو قد تحتاج عقوداً لتنفيذها، حيث اضطررت إلى السفر خلال أسبوع واحد إلى مدينتي دمشق وحماة ثم عدت أدراجي إلى حلب، وللأسف كان هناك قاسم مشترك يطغى أهالي هذه المدن يتمثل باليأس وفقدان الأمل بعد وصول المستوى المعيشي والاقتصادي إلى مستويات أقل ما يمكن القول عنها إنها الجنون بعينه.

وطبعاً هذا الواقع المرير ينطبق على جميع المدن السورية بلا استثناء، فالبلاء والغلاء عم البلاد، وسط صمت رسمي مريب، بينما يتحدث الناس مع أنفسهم في الشارع بصوت مرتفع، وعموماً لا حاجة حتى للصراخ، فالواقع الأليم يتكلم عن نفسه، ففي دمشق التي بقيت أربع سنوات تقريباً بعيدة عنها وأرفض زيارتها حتى لا أراها حزينة وغير مفعمة بالحياة على غير عادتها، كانت الوجوه متعبة ويائسة مع خوف من القادم، مع محاولة تخفيف الضغط النفسي بالحديث المتكرر عن النكبة المعيشية القديمة الجديدة، فما يسمى بالراتب لم يعد يشتري ما يسد الرمق.

ولم يخف أهل الصناعة والتجارة تذمرهم الشديد ولاسيما أن تذبذب سعر الصرف جعل الكثيرين يغلقون أبواب محالهم حتى إشعار آخر، فالخسارة أصبحت محققة جراء إعراض المواطنين عن الشراء لعدم توافر المعلوم، إلا بأيدي قلة قليلة كان أبناؤها يحضرون الحفلات بأسعار تذاكر توازي ضعفي راتب الموظف، في حين أولاد عائلات كثيرة ناموا قهراً من الجوع والفقر، وهذه المفارقة تظهر بوضوح السياسات الاقتصادية الخاطئة التي أوصلت اقتصادنا إلى الحضيض، فأفلحت فقط في صناعة اليأس وجعلتها من أكثر الصناعات رواجاً بدل دعم الإنتاج والسعي نحو إيجاد صناعات قادرة على إنقاذنا من هذا الانهيار المخيف.

حال العاصمة دمشق الذي بات يصعب على الكافر إن صح التعبير، ينطبق على مدينة حماة المدينة الزراعية، الغارقة في العتمة ويعاني أهلها من نقص المياه والخدمات، ما جعل الصورة قاتمة أكثر مع الإهمال غير المبرر لأريافها ومشاكل أهلها المتزايدة، التي جعلتهم يعزفون عن الزراعة، التي وجدوا فيها طوق نجاة من الغلاء القاصم للظهور، لكن قرارات الحكوميين جعلتهم يبتعدون عن زراعة أراضيهم المكلفة ويتحولون إلى فقراء يطلبون المعونة من هنا وهناك، في مفارقة عجيبة أيضاً نتيجة سياسات اقتصادية خاطئة أهملت الريف المخزون الغذائي للمدن على نحو مريب، وجعلت أهله يفكرون بالهجرة إلى المدن في هجرة عكسية ندفع ضريبتها الآن أثماناً باهظة في صحتنا وأموالنا.

العودة إلى العاصمة الاقتصادية، كانت مبهجة نوعاً ما بعد الاعتياد على صعوبات العيش فيها والمشاكل التي يواجهها أهلها، الذين يصفونها بـ”المظلومة”، وهي كذلك فعلاً في فعل غريب ندفع ثمنه أيضاً، فلو أعطيت حلب حقها من الدعم والاهتمام لما وصلنا إلى هذه الحال الصعب، التي ازدادت سوءاً مؤخراً بعد توجه صناعيين وتجار كثر إلى إغلاق معاملهم وورشاتهم ومحالهم نتيجة التطورات المتسارعة، ما فاقم حالة الركود والجمود في الأسواق لدرجة لم تسجل محال كثيرة حالة شراء واحدة، فالباعة يجلسون يتفحصون هواتفهم بلا عمل، بانتظار معجزة تعيد ضخ الأمل في عروقهم الناشفة، مع تفكير كثر بالسفر ومغادرة البلاد، في خسارة جديدة ستدفع البلاد أثمانها لاحقاً بسبب سياسة اقتصادية خاطئة لم تسع إلى وقف نزيف الكفاءات والخبرات وتحد من هجرة الشباب، وتبادر إلى وضع خطة لاستقطابهم، والحيلولة دون سفرهم إلى  بلدان تستفيد من طاقاتهم وخبراتهم.

إفشال صناعة اليأس التي أنتجتها السياسات الحكومية الخاطئة، يتطلب بداية الاعتراف بالخطأ وتصحيحه، وليس المكابرة وإلقاء الكرة في ملعب الحرب والحصار والزلزال، فهذا الفعل لوحده يعمق الأزمة الاقتصادية التي نعيش مرارتها يومياً، كما أن الاعتماد على الغير رغم الحاجة لذلك لا يعد فعلاً صائباً،  فالحل أولاً وأخيراً داخلياً يتطلب سلسلة من الخطوات والقرارات الجريئة، تبدأ بزيادة الرواتب والأجور دون تمويلها برفع أسعار السلع المدعومة كالمشتقات النفطية، وصولاً إلى دعم المنتجين بكافة قطاعاتهم وتقديم كافة التسهيلات على نحو يشجع المغتربين في الخارج على العودة واستثمار أموالهم داخل بلادهم دون حاجة إلى الدعوات والمؤتمرات المكلفة، مع تفعيل جدي لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وحلحلة عقدة التمويل، على نحو يحرك كتلة الأموال في المصارف بدل تكديسها وخسارتها بسبب ارتفاع سعر الصرف.

ويقابل ذلك مكافحة فعلية للتهرب الضريبي، عبر الإسراع بتطبيق الربط الشبكي وكف اليد البشرية، إضافة إلى محاربة منظومة الفساد ورؤوسه الكبيرة، التي لو عقب أحد أفرادها عقاباً شديداً أمام الرأي العام لفرطت السبحة، أما الاكتفاء بالمصالحة المالية بدفع بضعة ملايين من مال الشعب المسروق سيزيد هذه المنظومة قوة، علماً بأن استعادة أموال المتهربين ضريبياً والفاسدين وضخها بالخزينة كفيلة بزيادة

الرواتب زيادة مجزية تكفل بتحسين أحوال أغلبية الشعب وتحافظ على مؤسسات الدولة عبر وقف استقالة كوادرها بالجملة،  بالتالي التأخير في اتخاذ هذه الخطوات وغيرها والإصرار على التفكير بعقلية تقليدية سيجرنا إلى نفق مسدود، مع أن إمكانات البلاد رغم كل هذه الخبصات قادرة على نقلنا إلى بر الأمان، الذي نستحق بعد كل هذا الصبر الذي فاق صبر أيوب بأشواط.

طريقك الصحيح نحو الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *