طبقية تعليمية وأسرية في الجامعات
خاص شبكة غلوبال الإعلامية – بقلم: شادية اسبر
أعترف وأنا بكامل قواي العقلية، أن عقلي لا يستوعب تفاصيل هذه التي تسمى مفاضلة القبول الجامعي، أو بالأصح مفاضلات، لا أفهم الأسس التي يضعها أصحاب الشأن ليتفاضل أبناؤنا على مقعد دراسي في جامعة، لا أفهم لماذا كل هذه التفرعات في مفاضلات تضرب بمعظمها مبدأ تكافؤ الفرص، المبدأ الذي يجب أن يتخذ من علامة النجاح في الثانوية العامة، المعيار الوحيد للتفاضل.
اجحاف في منظومة التعليم العالي مع تعدد أنواع ومستويات المفاضلات الموضوعة، “فالاكراميات” يا أهل الكرم، لا محل لها في تقييم المستوى العلمي للطلبة، والتعليم بالمال و”الجاه” بدل العلامات ينتج كماً من الأميين في صفوف الجامعيين، فكيف الحال بسوق العمل؟ والكارثة أكبر عندما يكون هذا العمل في مجال صحة الناس وحياتهم.
أفهم أن يكون لأبناء من قدموا تضحيات أو خدمات للوطن، تكريماً بشكل من الأشكال، رغم قناعتي أن الجميع يخدم الوطن، كل في مكانه، وقناعتي أيضاً أن الاستثناء الوحيد المقبول هو المفاضلة الخاصة بأبناء وبنات الشهداء لغياب آبائهم، إلا أن قناعتي هذه لا تكفي لتخفف صدمة أهالي الطلبة الحالمين بمستقبل يليق بجهود أبنائهم، وخاصة أنني أيضا من المصدومين بما يتعلق بالمفاضلة الخاصة بأبناء الهيئة التدريسية عندما أُعلنت الحدود الدنيا للتفاضل على الكليات الطبية، والتي جاءت بعد يوم واحد من صدور مرسوم تشريعي بقبول عدد من طلاب كليات الطب ومن حملة الإجازة في الطب كملتزمين بالخدمة لدى الجهات العامة، وما قدمه هذا المرسوم من دعم واضح وكبير للعاملين في القطاع الصحي، للارتقاء بهذه المهنة الإنسانية الحساسة.
الحديث هنا ليس عن علامة أو اثنتين أو حتى خمسة، فيمكننا قبول أن من حصل على 232 علامة والحاصل على 227 علامة هما بذات المستوى العلمي، فالفارق ربما إجابة عن سؤال أو سؤالين لم يوفق فيهما أحد الطالبين، نحن نفهم ذلك جيداً، لكن أن يتم منح 52 علامة لابن عضو الهيئة التدريسية، فهذا الظلم بعينه، ودون أن نغفل أيضاً أن هذا الابن توفرت له ظروف أفضل خلال العام الدراسي بالنظر للوضع الاقتصادي والعملي لأسرته مقارنة بأسر غيره.
((أين العدالة والمساواة في التعليم عندما يستطيع طالب حصل على 180 علامة في الثانوية العامة – علمي الدخول إلى أحد فروع الطب (أبناء أعضاء الهيئة التدريسية في الوزارة) في حين يحرم طالب آخر حصل على علامة 231 منها؟))
سؤال يردده آلاف الآباء الذين يدفع أبناؤهم ثمناً غالياً من سهرهم وجهدهم ومستقبلهم، دون أي جريمة سوى أنهم ليسوا من أبناء “الطبقة المخملية العلمية”.
قساوة متخذي القرار تضطرنا لاتهام من أقروا ذلك بأنهم أجرموا بحق شريحة كبيرة من أبنائنا وبالتالي بحق مستقبل وطن ـــ عمداً أم بغير عمد ـــ هؤلاء حصروا الاستفادة من مزايا مرسوم تشريعي بأبنائهم، ليحرموا منها شريحة كبيرة من أبناء غيرهم، وبطريقة علنية مقوننة، ومساءلتهم وتدارك ذلك، هي أدنى متطلبات تحقيق العدالة التعليمية.
الجميع ليس ضد تكريم أبناء الهيئة التدريسية في التعليم العالي، لكن ليس بمنحهم 52 علامة مجاناً، ليكن مثلاً إلغاء رسوم، منح علامات تتجاوز أصابع اليد الواحدة أو الاثنتين، ليكن النجاح خلال الدراسة الجامعية على معدل أقل من رفاقهم بعلامتين، هناك الكثير الكثير من مقترحات التكريم، غير أنه لا يمكن أن يستوعب أحد أن المستوى العقلي والعلمي لطالب حصل على 232 علامة هو بذات المستوى العلمي والعقلي للحاصل على 180 علامة فقط لأن الأخير ابن لأستاذ جامعي، ولا يمكن لأحد أن يقنع الشارع السوري أن الطبيبين سيكونان في ذات الكفاءة المهنية، وأرواح الناس بين أيديهما بذات الأمانة، فالتحصيل العملي له مقاييس وهو مسؤولية وليس امتيازاً.
اصلاح التعليم وكفاءة الخريجين واعتماد تكافؤ الفرص على أسس علمية دقيقة هو أسّ وأساس بناء المجتمعات، وبالتالي النهوض بالبلد، أما “الأسرية في الجامعات”، أو “الطبقية التعليمية” فهذا خطر يهدد الجميع، حتى المستفيدين منها ذاتهم!
طريقك الصحيح نحو الحقيقة