طقوس تراثية لاصطياد المستهلك بعد الإفطار
خاص غلوبال – زهير المحمد
من الطقوس الجميلة في رمضان التجول بالأسواق في ليالي النصف الثاني من الشهر الفضيل، وفتح مطامير الأولاد أو استحضار ما خبأته السيدات من مصروف البيت لهذه الفترة العصيبة، كي ترضي شغف أسرتها عامة وشغف أطفالها على وجه الخصوص.
وفي مدينة عريقة كدمشق، كان التجول في أسواقها التقليدية متمثلة بالحميدية والصالحية، وفي فترات لاحقة تمت إضافة الحمرا وباب توما وأسواق المأكولات الشعبية والشاورما في الميدان والشيخ سعد، يضيف الكثير الصور الجميلة في ذاكرتنا المخزنة من طفولتنا على أنغام موسيقا تصويرية يعزفها بائعو الناي والبزق وأداوات موسيقية أخرى في سوق الحميدية خاصة، ولا يكتمل المشوار إلا بتناول البوظة أو النابلسية وشراء بعض من الموالح الساخنة، والعودة بتكسي لايتقاضى سائقها أكثر من 25 ليرة، وكان المشوار العائلي هذا لايكلف الأسرة أكثر من مئتي ليرة أو نسبة بسيطة من الراتب الشهري الذي كان يتحمل شراء قائمة طويلة من مستلزمات العيد.
أتذكر ذلك مع صدور القرارات التي تسمح بافتتاح الأسواق بعد فترة الإفطار من الآن وحتى نهاية رمضان، وأتحسر كما تتحسر ملايين الأسر السورية على أيام سبقت الحرب الكونية على البلد، لكن تلك البحبوحة في أحوال الناس بدأت تتراجع سنة تلو أخرى، حتى وصلنا إلى حالة الشكوى من التجار قبل المستهلكين عن الركود وضعف القدرة الشرائية ومن التقنين الكهربائي، الذي أدى إلى إرتفاع أصوات المولدات الكهربائية واختفاء موسيقا العازفين وسط الضجيج ورائحة البنزين.
لقد أصبحت النزلة إلى السوق تكلف راتب شهر كامل حتى لو اقتصرت النفقات على أجور المواصلات وتناول البوظة والسندويش، تصوروا مثلاً أن هناك أنواعاً من الحلويات يتجاوز سعر الكيلو منها الستمئة ألف ليرة أي ما يعادل راتب شهرين للموظف، ولا داعي لأذكركم بأجور التكسي أو سعر صحن البوظة أو النابلسية أو سندويشة الشاورما التي أتذكر أنها كانت بخمس وعشرين ليرة، عندما كان راتب الموظف عدة آلاف، أي كان يمكن أن يشتري سندويشات لكل من في السوق، ويستضيف بعضا منهم على صحن بوظة أو نابلسية.
الهدف من الموافقة على افتتاح الأسواق بعد الإفطار هو تحريك الأسواق والتغلب على حالة الركود، وفق مايتم ذكره في متن قرارات السماح التي تصدرها الجهات الإدارية، دون أن تعمل حساباً لزيادة التغذية الكهربائية ولضعف القدرة الشرائية أو لمعاناة أصحاب الدخل المحدود المالية أو لقلة مازوت السرافيس في الفترة الليلية على شرف “الجي بي إس” والبطاقة الذكية، وكلنا أمل أن تحقق القرارات غاياتها في إنعاش الأسواق ويفرجها رب العالمين على عباده ويرزقهم من حيث لايحتسبون، وكل عام وأنتم بخير.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة