علاقة دمشق وطهران…الاقتصاد يأخذ مساره الأبرز ليواكب السياسة
خاص غلوبال – شادية إسبر
مع ازدياد التحديات في المنطقة والعالم، وأبرزها الاقتصادية التي ضاعفت من شدتها العقوبات الغربية الجائرة على البلدين، جاءت جلسة مباحثات فنية عقدتها اللجنة الاقتصادية الإيرانية السورية المشتركة بدمشق لمتابعة أعمالها.
حدث يأتي في سياقه الطبيعي، بالنظر إلى العلاقات بين دمشق وطهران التي تعدّ أنموذجاً متميزاً في العلاقات بين الدول، حيث تجاوز البلدان موضوع الروابط والعلاقات ليصلا إلى العمق الاستراتيجي المصيري.
الجلسة شارك فيها ممثلون من الجانبين في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات، لتكون على طاولة الاجتماع في فندق داما روز ملفات اقتصادية ضخمة، تعلن مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية المتينة المتصاعدة بين الحليفين.
الوفد الإيراني الاقتصادي الأكبر الذي وصل سورية، عقد سلسلة لقاءات ومباحثات مع كبار المسؤولين السوريين توجت بنقاشات أجراها معه الرئيس بشار الأسد، الذي أكد ”أن ترجمة العمق في العلاقة السياسية بين سورية وإيران إلى حالة مماثلة في العلاقة الاقتصادية هي مسألة ضرورية، ويجب أن تستمر حكومتا البلدين في العمل عليها لتقويتها وزيادة نموها“.
لتُفتح آفاق جديدة للعلاقات الثنائية بما يخدم المصلحة المشتركة للشعبين اللذين يتعرضان لعقوبات اقتصادية وحصار غربي مطبق، كأعلى درجة في سلم المباحثات على مختلف المستويات وفي جميع المجالات، لتعزيز وتوسيع علاقات التعاون الاقتصادي مع القطاعين العام والخاص.
مجالات الطاقة والمشتقات النفطية، النقل البري والبحري والجوي، السكك الحديدية أيضاً، وكذلك تطوير التقنيات الصناعية وخطوط الإنتاج، وصولاً إلى قطاعي العمل والشؤون الاجتماعية، دون أن ننسى السياحة وخاصة الدينية منها، كلها كانت محط نقاش وبحث وتفاهمات، أعلن بعض تفاصيلها الوزير الإيراني بذرباش في تصريح من دمشق أوضح فيه أنه ”تم الاتفاق مع الجانب السوري لإرسال 50 ألف زائر إيراني إلى سورية سنوياً لزيارة الأماكن المقدسة، وأن المحادثات تناولت إزالة العقبات التي يعاني منها القطاع الخاص والإنتاجي في سورية، ليكون خفض التعرفة الجمركية على واردات السلع وتصفيرها حدثاً بارزاً ونقطة مهمة باعتباره يمنح فرصة كبيرة للاقتصاديين ويبشر بانسياب حركة البضائع بين البلدين.
بحسب الوزير الإيراني فإنه تم الاتفاق أيضاً على إقامة ثلاث مناطق تجارية حرة، وضرورة إعادة تفعيل خط سكة حديد الشلمجة – البصرة بالاتفاق مع العراق، وهو ما يُعتبر وريداً اقتصادياً للبلدان الثلاثة، ولا تتوقف آثاره عليهم فقط بل سينعكس إيجاباً على بلدان آسيا وصولاً إلى الصين.
طرق تذليل العقبات التي تفرضها العقوبات على المرونة الاقتصادية، لم تغب عن مناقشات الطرفين، فالقطاع المصرفي الأكثر تأثراً بالعقوبات هو جزء أساسي لأي تبادل تجاري، حيث شبكة البنوك في البلدين تخضع لعقوبات غربية (أمريكية أوروبية) قاسية، ليكون التبادل المصرفي المباشر بديلاً يمنح رجال الأعمال والاقتصاديين المرونة المطلوبة، حيث أعلن الوزير بذر باش أنه ”تم وضع تأسيس بنك مشترك على جدول الأعمال“، وأشار إلى ”اتفاقية إنشاء شركة المدن الصناعية والتي تعد فرصة كبيرة للمنتجين“، كحامل تنموي اقتصادي متين وخاصة للاستثمار في مجال النفط، بينما جاء دعم الاقتصادي البحري كجزء مكمل للآلية.
تتنامى العلاقات بين دمشق وطهران في جميع الميادين، تطور إيجابي مستمر وبوتيرة تصاعدية، ورغم أن الاعتبارات السياسية محرك رئيسي غير أن الاقتصاد بات يأخذ مساره الأبرز أكثر من أي وقت مضى، مع اشتداد صعوبة الأوضاع المعيشية عالمياً وإقليمياً وداخلياً.
تقول الأخبار من داخل غرف الاجتماعات، إنها مشاريع واعدة، اتفاقات وتفاهمات، أسس وقواعد لنقلة اقتصادية، والناس المحكومون بالأمل ينتظرون أن تمد الواقع الاقتصادي القاتم بشعاع ولو كان بسيطاً، وأكثر ما يتمناه السوريون أن يحقق شيئاً ملموساً يحرك المياه الراكدة على أراضي الواقع الاقتصادي، حيث لم يعد مصطلح الخروج من ”عنق الزجاجة“ ينطبق على الحال، ”الزجاجة الاقتصادية“ كما يراها ويعيشها الغالبية، مغلقة الفوهة بإحكام، ويكاد جميع من بداخلها يختنقون اقتصادياً بأنفاسهم الأخيرة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة