عيد بلا “معيدين”… وتقاليد تختفي بضغط اقتصادي
خاص شبكة غلوبال الإعلامية – بقلم: شادية اسبر
ملابس العيد للأطفال، حلوياته، أضاحيه، هداياه، عيدية الأولاد، ضيافة للأقارب والأصدقاء القادمين للمعايدة، تكاليفٌ، تكاليفٌ، تكاليف، ترتفع مع اقتراب أيام العيد، “صوتها” يعلو من كل الاتجاهات، لتضرب أسعار السوق المتزايدة كل مخططات رب الأسرة، وأحلام الجميع.
تختلف أسعار السلع على الواجهات في الأسواق يومياً، كما يختلف سعر المادة من النوع الواحد بين محل وآخر، وعلى المبدأ المعروف “بضاعة عيد”، تختلف البضاعة أيضاً، يزداد السعر وتقل الجودة، تغرق الأسواق بالمنتجات، كما تزدحم بالمتفرجين المصدومين، غير المتسوقين، فجيوبهم هدف التجار الذين يتسابقون لإفراغها بزيادة الأسعار “كل على هواه”، إن كان بقي في الجيوب شيء، بعد أن هجرتها المداخيل والمدخرات، حتى آخر ليرة، تحت ضغط تكاليف المعيشة اليومية الضاربة ارتفاعاً.
لم يعد شكل العيد كما عهدناه، تغيرٌ واضح طرأ على تفكير وعادات الناس، فرضته أمور كثيرة، تصدرها الوضع الاقتصادي، فالعيد بات عطلة للراحة في المنزل دون إرهاق الذات بالتقاليد، والتي تنحسر أكثر فأكثر كل عام عن سابقه، حيث سلوكيات تحضير الأكلات والحلويات، وإجراء بعض التغييرات في أثاث المنزل، إقامة الولائم، و”فرش الموائد” بما لذ وطاب، ذهبت جميعها أدراج “رياح الأسعار”.
ومن مواجع “رياح الأسعار العاتية” تلك، غياب المظهر الأبرز الذي يعبّر عن فرحة العيد، الأطفال وهم يتنقلون بمرح في الشوارع والأحياء بملابس وأحذية “جديدة”، يرتادون الملاهي والألعاب، يدفعون لركوب المراجيح وغيرها من ألعاب الطفولة، يحملون “بواري البوظة”، علب العصير البارد، قطع الشوكولا وغيرها.
هذه التفاصيل على بساطتها كأدنى متطلبات عيدهم، باتت في أقصى أحلامهم، وفي أقسى عجز آبائهم.
شيء يبدو فيه بعض “راحة” من الناحية المادية، و”سوء” من الناحية الاجتماعية النفسية، وجود التكنولوجيا الرقمية، التي حملت عبء تكاليف التنقل لتقديم التهاني والمعايدات، حيث لعبت دوراً في تراجع العادات القديمة، وقطعت “صلة الأرحام”، ليكتفي الكثيرون برسالة معايدة نصيّة قصيرة ” تُرسل ذاتها للجميع، أو مكالمة هاتفية محسوبة بالدقيقة هي الأخرى، بعد ارتفاع سعرها، وظاهرة “هربان ليرات إضافة للسعر” مع كل رسالة أو مكالمة، دون معرفة لماذا؟ وأين تذهب؟
في جانب آخر من طقوس العيد، تبدو زيارة مدافن الأقارب في ساعات الصباح الأولى، الطقس الأكثر استمرارية، مع تغير ما يحمله الزائرون من زهور ورياحين، حيث باتت هي الأخرى تخضع لسوق سوداء تتحكم بجيوب الأحبة ودموعهم، بينما مساعدة الفقراء والأيتام ومواساتهم، أصبحت حالة أقرب إلى الذاتية، مع انتقال شريحة كبيرة من مجتمع “الدخل المحدود” إلى صفوف هؤلاء، وخروجها نهائياً من الأسواق، ومن “جماعة المعيدين”.
لا يبدو واضحاً، أسباب الدموع التي تنهمر، فمنها للفراق، ومنها لوجع البقاء، وكثير منها شوقاً لعيد قديم كنا نُلحقه دائماً بكلمة “سعيد”، فملامح “هذا الجديد” غير واضحة، والبحث عن “المعيدين” أصبح مهمة يمكن وصفها بــ “الشّاقة”.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة