غارقون بالتشخيص بعيدون عن الحلول !
خاص غلوبال – هني الحمدان
أحياناً تغرق بعض الإدارات بتفاصيل معروفة ومشخصة من قبل، إلا أن بعضها متروك دون إيجاد حل جذري له، أو لم يتسن الوقت والظروف لإنهاء مسبباتها، فتعيد بعض الإدارات قصة تشكيل اللجان وتشخيص الإشكالات، وهي دوامة لن ولم تنته أبداً..
لقد تعب الناس وبعض الإدارات من قصة الدراسة والتشخيص ومن قصة المكاشفات التي تأتي أحياناً غير مقنعة، وتعبوا أيضاً من تشخيص الأزمات، ونحن وصلنا لمرحلة مثل اختصاصي الأشعة الذي يواصل تصوير الصورة الطبقية ويرسلها للطبيب، ليقول لنا إن العلة هنا أو هناك، وكلما جاء اختصاصي جديد وطبيب جديد، أعاد تصوير ذات الصورة الطبقية ليقول لنا الكلام نفسه، والتشخيص نفسه، بل الفرق أن كل صورة أشعة تأتيك بنتائج أسوأ وأصعب ربما.
مهمة التشخيص يتورط بها الكل، الحكومات، الوزارات والإدارات، وقد تصل للنقابات ومراكز البحث وغيرها من المؤسسات، وربما عموم الناس الذين يتحدثون أيضاً عن طبيعة مشكلاتهم الفردية التي تعد عينة عشوائية أو منتقاة، من جملة المشكلات العامة في هذه البلاد.
لكن تكليف المسؤولين بمسؤولياتهم لم يأت لغاية تشخيص الأزمات المشخصة أساساً، بل جيء بهم من أجل حلها، فإن لم يكن حلها جذرياً، فإن التخفيف منها والتلطيف من تكلفتها، ميزة هنا، فيما نحن نكتفي فقط بالألعاب النارية، والإبهار من خلال القول للجمهور، إننا نتحدث إليكم، ونعرف مشاكلكم، وأزماتكم ولسنا غرباء عن أحوالكم، وكأن هذه ميزة أصلاً، يتم بها “شوفة الحال” على الجمهور الذي بحاجة إلى حلول وليس إلى من يعيد التشخيص ذاته يومياً.
هذا يقودنا إلى شيء كبير نعاني منه بحق وأن لدينا مشكلة أعمق، تكمن بعدم القدرة على تغيير أحوالنا المزمنة، إذ منذ سنوات نتحدث مثلاً عن مشاكل التربية والامتحانات ومسائل النقل والإصلاح الصناعي والإداري، إلى ماهنالك من مشكلات وعقد نراها تكبر ولا تقل، نراها تحتاج إلى مؤسسات تملك قرارات جريئة، فلا يتغير شيء، نتحدث عن مشكلات الزراعة فلا يتغير شيء، نتحدث عن أزمة الطاقة فلا يتغير شيء، نتحدث عن الغلاء وضرورة تشديد عناصر الرقابة التموينية وإبعاد الفاسدين منهم فلا يتغير شيء، نتحدث عن الفقر والبطالة ونسبهما ولا يتغير شيء، نتحدث عن مشكلات القطاع الصحي الحكومي فلا يتغير شيء، وعن تخفيض أسعار الدواء، بعد تشكيل لجان الأسعار ولا تغير شيء نحو الإيجابية، بل نحو مزيد من إلحاق الغبن وارتفاع مستويات الجوع عند المواطن ودخوله في متاهات الإهمال والروتين والفساد.
جميل أن تسلك الإدارات مسلك المكاشفة الحقيقية، لا أن تكون مكاشفة لإغراق المسألة أو أي قضية أو مطلب للمواطن في أتون تشكيل اللجان وتشخيص الواقع من الأول.
إداراتنا لديها نمطية مقيتة، فأي وزير أو مدير أو حتى رئيس بلدة أو وحدة إرشادية، عندما يتقلد زمام شرف كرسي الوجاهة أول ما يعمل يقوم “بنسف” كل خطط الشخص الذي قبله، ويبدأ بلجان التشخيص للواقع من أول السطر..
التشخيص واضح والأمور مكشوفة، والسلبيات تحتاج لقرارات سريعة، لا التلطي تحت شعارات تستخدم وصولاً لمآرب ذات نفع خاص…ودمتم للتشخيص والتمحيص والتقشير..
طريقك الصحيح نحو الحقيقة