في دمشق أولى من جنيف…بيدرسون يجول و”الدستورية” على الطاولة
خاص غلوبال – شادية إسبر
منذ أن عُقدت الجلسة الثامنة من اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في حزيران العام 2022، وبعد أن فقدت سويسرا حيادها التاريخي بانحيازها لنظام العقوبات الغربي، كل المحاولات اللاحقة لانعقاد الجولة التاسعة للاجتماعات فشلت، والسبب إصرار غربي على جنيف أوقف المسار، رغم إعلان دول عدة استعدادها لاستضافة الاجتماعات وفي مقدمتها سلطنة عمان.
وخلافاً لمهمته الأممية كميسر، إنحاز مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سورية غير بيدرسون إلى الموقف الأمريكي المتحكم بـ”المعارضة السورية”، وأبدى تمسكاً بإبقاء الاجتماعات في جنيف رغم أن ذلك يعطّل مسار العملية، وبدل أن يسعى باتجاه البحث في الطروحات الموجودة على الطاولة، خرج بموقف مفاجئ أواخر شباط الماضي، ووجه دعوة لانعقاد تاسع جولات “الدستورية” بمدينة جنيف، محدداً الموعد نهاية نيسان القادم، في خروج واضح عن الولاية المنوطة به، وهو الذي يؤكد في كل موقف وتصريح واجتماع أن التعاون القائم بين سورية والأمم المتحدة إيجابي جداً، وأن الحكومة السورية تقدم للأمم المتحدة ومكاتبها جميع التسهيلات لإنجاز أعمالها.
وصل بيدرسون السبت (16 آذار 2024)، وصبيحة اليوم التالي (الأحد 17 آذار) التقاه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في مباحثات أكد خلالها الأخير “ضرورة قيام الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها إزاء وقف انتهاكات السيادة السورية الناجمة عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، والتواجد غير المشروع للقوات الأمريكية والتركية في سورية”، وقد سمع بيدرسون بأذنيه أصوات الاعتداءات الإسرائيلية على القلمون فجر الأحد، وأخبار الاعتداءات التي شنتها المجموعات الإرهابية المتواجدة في إدلب والمدعومة من القوات التركية والأمريكية غير الشرعية، بالتزامن مع مبيته في مقر إقامته بدمشق، لكنه لم يحدد أو يعلن مسؤوليات منظمته حيال ذلك، واكتفى خلال تصريح صحفي عقب اللقاء “بوجوب الاستمرار في جنيف طالما لا يوجد اتفاق”، في تمسك غريب بمسار ميت لم يحقق أي تقدم فعلي، وهو ما يشي بسوء نيّة بيدرسونية مدفوعة بأمريكية تسعى للعرقلة بدلاً من البحث عن حلول واقعية.
أجرى ويجري بيدرسون تحركات ولقاءات واجتماعات مع عدد من المسؤولين والدول الفاعلة، ويعلم أن دولاً عدة أبدت رغبتها باستضافة اجتماعات الدستورية، وكان حضر على مدار الأشهر السابقة نقاشات عملية لمقترحات واقعية، ووصلته مواقف كثيرة تؤكد الجدية في المساعدة بحل الأزمة السورية، كما أنه يعلم أن مسارات عدة غير جنيف حققت تقدماً ترك آثاراً عملية مهمة على الأرض، أبرزها إقليمياً “مسار أستانا” وعربياً “لجنة الاتصال الوزارية”، ورغم ذلك يستمر بالتمسك بمسار لا يمكن إنعاشه في ظل الظروف الدولية الحالية، والأهم من ذلك كله أن بيدرسون ومن يوجهونه يعلمون أنه ليس من حقه تحديد الموعد والمكان وتوجيه الدعوات قبل موافقة الطرفين المعنيين، فمهمته محصورة بصفته كميسر.
ليبقى السؤال الأكثر أهمية برسم بيدرسون والأطراف الأخرى، إذا كان الجميع يؤكد في كل مرة أن الحوار سوري سوري، والحل ملكية حصرية للشعب السوري التوّاق إلى حل حقيقي، واللجنة هي لمناقشة الدستور السوري، فهل أفضل وأنسب مكان من “البيت السوري” ليحتضن نقاشات وخلافات وطروحات السوريين؟! وهل أكثر صدقاً وحباً وحيادية من طاولة دمشقية يلتئم إليها السوريون، إن كانت النوايا صادقة في الوصول إلى حل سوري للأزمة في سورية؟.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة