قطعة خردق… تقصم ظهر أمريكا والعالم
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
يبدو أن الظروف التي يمرّ بها العالم قد دفعتنا لتتبع الأخبار ومحاولة الوصول إليها من عدة مصادر، ومنها مصادر الفضائيات التي تعيد غزل الأخبار وتسويقها بالشكل الذي يتوافق مع توجهاتها.
لكن المؤسف أن يتنقل المرءُ عبر المحطات دون الحصول على ما يثلج صدره، وسط الآلام والدمار والخراب، باستثناء خبر مثل، الرسالة التي نشرها الرئيس الإيراني المنتخب بزشكيان، الذي يستعد لمباشرة مهامه، لأنها جدّدت الأمل بوعود أطلقها لتسوية علاقات إيران مع الدول الأوروبية، والتي تأثرت سلباً بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني.
فالرئيس المنتخب كتب بخط يده، إن يده ممدودة للتواصل والتعاون ولإنهاء العداء الذي فرضه الغرب، ومع ذلك فإن الغرب يتهم إيران، بتهديد الأمن، الذي زَعزَعوا هم أركانه، وقرّروا أن يعادوا كل من يتمسك بميثاق الأمم المتحدة ويمارس سيادته ويقرّر مصيره ولا يعتدي على الآخرين كما يفعلون.
فالعالم أجمع بات متعطشاً لعلاقات سليمة بين الدول، ولكن للأسف يواصل الغرب إساءة العلاقات مع الدول لأن ساسته وضعوا كل البيض في السلة الأمريكية دون أي تحوط استراتيجي.
ولدى محاولة المرء الانتقال بين الفضائيات يرى الخراب والدمار الذي يسببه القصف الإسرائيلي والدماء النازفة من أربعمئة إنسان قُصفت مخيماتهم في مخيم النواصي بقنابل أمريكية ذات قدرة تدميرية هائلة، ولم تحمل النقلة إلى محطة تليها خبراً يخرج عن القاعدة الدامية، حيث كانت، إسرائيل، تقصف مواقع حول دمشق ومبنىً سكنياً في حي كفرسوسة وسط العاصمة السورية.
أما النقلة التي تليها فقد أوصلتنا إلى بنسلفانيا، حيث يخطب ترامب بمؤيديه ويتوعد خصمه الانتخابي لتأتي طلقة- ربما طلقة خرز- وتقصم ظهر الديمقراطية، وتدفع ترامب للتلطي تحت منصته الانتخابية، وسط هرج ومرج وتدافع، وسيلان بعض الدماء من أذنه إلى وجهه لإصابته بطلقة غير متفجرة، أو ربما خردقة، شغلت العالم والفضائيات والمحللين بفيض من التحليلات والتصورات والتداعيات التي تسلّلت أيضاً إلى شوارع المتل ومؤشرات الأسواق والبورصات.
إن إصابة الرئيس الأمريكي السابق بسيطة للغاية، والسلاح الذي يستخدمه الأمريكيون ضد خصومهم السياسيين لا يشكل نقطة في بحر القنابل التي تستخدمها بلادهم وحلفاؤها ضدّ الشعوب، فلا يمكننا- على سبيل المثال- أن نقارن بين طلقة الخرز تلك التي يقدّر وزنها بالغرامات، وقذائف الألفي رطل الأمريكية التي تستخدمها، إسرائيل، لتدمير الحجر وقتل البشر في غزة منذ شهور.
ما أُطلق عليه، محاولة اغتيال ترامب، جاء ليكشف أكثر فأكثر زيف الديمقراطية الأمريكية، فطلقة بوزن غرامات، وعدة نقاط دماء من أُذن ترامب استنفرت مشاعر الإدارة الأمريكية والسياسيين المعارضين والموالين، في وقت لا يدفع سيل الدماء النازفة من شعب غزة بالأسلحة الأمريكية تلك الإدارة المريضة بالحَوَلِ الإنساني والسياسي، حتى اللحظة، إلّا لمنح إسرائيل، الفرصة تلو الأخرى لإتمام حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني، أو للاعتداء على أهداف مدنية داخل الأحياء السكنية السورية، وفي قرى جنوب لبنان.
ليلة صعبة عاشها العالم لمجرّد وصول طلقة بسيطة من طلقات الغدر التي تستخدمها أمريكا ليلاً نهاراً في مئات الأماكن حول العالم يومياً، إلى بنسلفانيا وأصابت رئيسها السابق- وربما رئيسها القادم- بمقتل وشيك، وربما أصابت العالم بالذهول، لكن ذلك لا يعني أن مرهفي الأحاسيس من ساسة الغرب الجماعي يمكن أن يتعاطفوا مع أهل غزة ويقيمون الحدّ على جرائم ربيبتهم، إسرائيل، التي لم تقصف الآمنين بطلقات خرزية غير متفجرة- كتلك التي أيقظت هواجسهم- بل تقصفهم بآلاف الأطنان من القنابل يومياً.
إن أمريكا تمارس الإرهاب وتنشره حول العالم عبر أدواتها والقوى المرتهنة لها، حتى وصل إليها- ولو بصورة مخفّفة- ومع ذلك ما زالت تتهم خصومها بالشرور التي تنفذها في كل زمان ومكان خدمةً لأطماعها ومصالحها.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة