لا للتطمين ولا للتهويل… الميديا تسرق أمان بيوتنا
خاص غلوبال – شادية إسبر
مجرمة هي الميديا، أم إن المجرمين من يسيئون استخدامها، كيف تحولت الثورة الرقمية إلى آثمة بحقنا وحق أطفالنا وحياتنا؟صادرتنا من ذواتنا تلك الشاشات، سرقت أمان بيوتنا ورضا أرواحنا، كما سرقت حتى إيماننا، ونحن نبحث فيها وعنها ومعها عن معلومة صادقة في بحر الكذب والتهويل والترويع الذي قتل أوطاننا ذات مرة، ويقتل أحلامنا كل مرة، يصطادنا من يومنا ليرمينا في عزلة مع شاشة صغيرة كانت أم كبيرة.
شعور من شهد الزلزال يكاد يتطابق مع من تابع تفاصيل الكارثة عبر أخبار وبث مباشر على الشاشات وفي وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحاصرنا لتكون أحاديث الجميع اليومية، حتى ”غوغل“اختنق بالبحث عن كلمة زلزال.
شعور الخوف والهلع والألم والضياع، وحسابات دقيقة وموسعة لكل خطوات قد نقوم بها في حال وقوع الكارثة، بعضها يثير الضحك رغم الوجع، إحداها ما سمعته اليوم عن سيدة ترتدي كل مصاغها في البيت والنوم والتسوق وبزيارة جاراتها لقهوة صباحية اعتيادية، تحسباً للزلزال، سمعت الكثير من خطط لم أفهم كيف فكّر واضعوها، حيث نتيجة الحسابات دائماً في حالة الكارثة الطبيعية هي الصفر.
الزلزال ثوان لا أحد يعلم متى وأين يقع، لا مدى قوته أو مدته، كل ما نعلمه هو ما يأتي بعده، فكيف نسابق زمناً ونتهيأ لحادثة بكل هذا المجهول؟!.
عائلات في تأهب دائم، لا تنام في الليل، نرتب حقائبنا ونحشوها بأشيائنا المهمة، نضعها في متناول اليد، لا تنسوا مفاتيح السيارة، هواتفكم الجوالة وشواحنها مهمة أيضاً، كما المذياع، أغلقوا أسطوانة الغاز، أنزلوا قواطع الكهرباء، افتحوا الأبواب والنوافذ، والأهم أيقظوا أطفالكم واحملوهم ركضاً على سلالم تعج بجيران راكضين إلى المجهول، الكبار في السن أيضاً مسؤوليتكم لا تتركوهم، افعلوا كل هذا مع أول ثانية لهزة أرضية، أنجزوه مع الثانية الثانية، وكونوا بمكان آمن في الثالثة.
بعد كل هذه الحسابات والتوصيات والترتيبات، تجد الجميع في الشارع غالبيتهم حفاة شبه عراة، بلباسهم الذي كان عليهم لحظة الثانية الأولى، لتسيطر حالة الهلع والرعب، والهرع إلى المجهول.
نعود إلى الميديا وما بات يعرف بـ ”رهاب الزلزال“، وهو أحد أشكال الأمراض النفسية الحديثة، بحثت كما الكثيرين عن تاريخ الزلازل في المنطقة والعالم، وجدت أن أقدمها وأكثرها فتكاً حدث العام 1755 في لشبونة، قدرت قوته بأنها تجاوزت الــ 9 درجات لتقترب من الـ 10، عندما اخترع ريختر مقياسه في ثلاثينيات القرن الماضي، أعقب زلزال لشبونة حينها تسونامي دمّر المدينة التي كانت تُعد من كبريات المدن الأوروبية، قتل نحو مئة ألف شخص، واللافت أن دولاً أوروبية عدة علمت بحدوثه وبنتائجه بعد ثلاث سنوات، لعدم وجود وسائل إعلام حينها.
عشرات الزلازل حصلت، قتلت ودمرت، ثم باتت ذكرى مؤلمة من تاريخ مدن عدة حول العالم، ومنذ حدوث الزلزال فجر الاثنين السادس من شباط الجاري، مئات الهزات الارتدادية حدثت، لم نجد أحداً استطاع التنبؤ بتوقيت الزلزال الأول ولا بأي هزة بعده، كل ما يُقال لا يخرج عن إطار الشائعات والتحليلات، ورغم أن الجميع بات يعلم أن التنبؤ بالزلازل أمر غير ممكن، إلا أن الكثيرين لا يزالون ينشرون، نسخاً ولصقاً، مقالات وآراء وتحليلات وأخباراً وتعليمات.
ودون الدخول في تفاصيل الزلازل علمياً أو دينياً، فإن الخطر كان دائماً قائم، قبل السادس من شباط وبعده وسيبقى، فالكرة الأرضية شهدت المئات منها وآلاف الهزات، ولم ينجح التقدم التكنولوجي في تقليل أعداد الضحايا، الفرق بين الماضي والحاضر أن الآثار النفسية للزلزال أو الكارثة الطبيعية لم تعد مقتصرة على سكان منطقة وقوعها فحسب، بل وصلت للعالم أجمع الذي يتابع الحدث لحظة بلحظة مع التطور التكنولوجي، وانتشار صور وفيديوهات مشاهد الانهيار والصراخ والأنقاض وصعوبات الإنقاذ، وآلام الناجين.
كان مبرراً وضرورياً خلال اليومين الأولين أو الثلاثة لوقوع الكارثة، نشر الخبر واسعاً، وإيصال الصورة الحقيقة كتعريف للعالم، وطلب للمساعدة في التقليل من تداعيات الكارثة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الاستمرار بهذا الشكل، هو نشر للهلع، وتعطيل للحياة، وضرر نفسي اجتماعي واقتصادي وأخلاقي، ولابد من النظر إلى جانب مهم للكوارث والأزمات، هو إعادة النظر في العلاقات الإنسانية البينية على المستويات كافة، الشخصية والدولية للارتقاء بالإنسانية، بعيداً عن التفكير السلبي والتسييس المقيت.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة