لفتة محبة ومغذية…؟!
خاص حلب – رحاب الإبراهيم
ليس عيد الحب وحده، فجميع المناسبات والأعياد الدينية والاجتماعية تمر ثقيلة على السوريين في هذه الأيام القاسية، فالأوضاع المعيشية المتأزمة وضيق الأحوال المادية تجعل عيش تقاليد وطقوس هذه المناسبات غير ممكن إلا لقلة قليلة، أما أغلبية العائلات فهمها تأمين المأكل والمشرب نتيجة موجات الغلاء المستمرة والتضخم القاتل مقابل قوة شرائية معدومة، من دون رحمة أو اكتراث من حيتان السوق، الذين يشكون ويبكون دوماً أمام صناع القرار لتحصيل مكاسب إضافية وبناء ثروات، في وقت تتعطل حركة التجارة وأرزاق التجار الصغار بحيث يمضي اليوم بأكمله بلا استفتاحية بدليل أن حركة الأسواق في أدنى حدودها، علماً أنه في مثل هذه المناسبة كان التجار لا يستطيعون “حك أذنهم”، لكن اليوم تراهم يجلسون على كراسيهم يدعون المارة إلى الشراء أو يمضون جل الوقت في تصفح الموبايلات بسبب قلة الشغل.
عيد الحب، الذي يغيب بشكل شبه كلي عن واجهات المحال بمدينة حلب، التي تعيش هذه الأيام الذكرى السنوية للزلزال المدمر، قد يكون بات ضرورة اجتماعية ملحة أيضاً وإن عل صراخ المنتقدين، ففي هذه الظروف القاسية نحتاج إلى كل لحظة محبة للتقليل من الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فالمحبة وحدها والتكافل يمكنان المواطنين من مواصلة حياتهم رغم الإحباط الحاصل، مع اعتقادي أن الاحتفال بعيد الحب الذي يفترض ألا يكون محصوراً بيوم واحد لا يقاس بالهدايا الفخمة أو السهرات المكلفة بحيث ينتظر المحتفلون الرابع عشر من شباط للاحتفال وتبادل الهدايا، التي كلما ارتفع سعرها كان الحب أكبر عند البعض، فاليوم عيش هذه الطقوس قد تكون مقتصرة على فئات اجتماعية محددة تمتلك المال ولا تعيش الواقع المأساوي الذي يعيشه أغلب السوريين، الذين أثبتت الظروف أنهم قادرون على منح المحبة وبأبسط الأشياء من دون مظاهر الاحتفال التجارية على نحو يدخل الفرح على النفوس المتعبة، التي تحتاج إلى “استراحة” محارب من هموم الحياة المتزايدة والجنوح إلى “لمة” محبة يمنع فيها الحديث عن كل المنغصات ومثبطات الهمم.
عيار الأسعار ترتفع عادة في استغلال واضح من التجار لمناسبة عيد الحب، متكئين على حماسة المحبين والعشاق، لكن اليوم أصحاب المحال الذين لم يزينوا الواجهات باللون الأحمر كالعادة سواء في العاصمة الاقتصادية والمحافظات السورية الأخرى، يشكون الغلاء الحاصل، بعد ابتعاد الجميع عن الشراء جراء الأسعار الفلكية، فإذا كانت الوردة الواحدة تكلف هديك “الحسبة”، فكيف إذا كان خيار الشراء “دباً” أو ذهباً أو قطعة ثياب، فحتماً ستكسر “الجيبة” شهوراً عديدة، وخاصة مع غياب الرقابة التموينية التام، لذلك أيها المحبين “المصرين” على عيش بعض طقوس هذا العيد الجميل رغم داء الغلاء الطاغي والأحوال المادية “الداقرة” فكروا في هدايا نافعة اقتصادياً ونفسياً رأفة بجيوبكم وقلوبكم أيضاً، فمثلاً حتماً سيكون خيار إحضار وجبة شاورما بديلاً عن الزهور التي ستذبل فوراً خياراً مناسباً للجيوب والبطون معاً مع الحصول على بهارات الحب المطلوبة لقاء هذه اللفتة المحبة والمغذية والمكلفة أيضاً رغم بساطتها.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة