“مال قارون” والمواطن؟!
خاص غلوبال – رحاب الإبراهيم
تصدر بين الفترة القريبة والأخرى، وفي منتصف الليل أو آخره، تسعيرة جديدة لأسعار المشتقات النفطية بزعم أنها متغيرات عالمية، وطبعاً غالباً هذه الأسعار تتجه صعوداً، وفي حالات قليلة هبوطاً بسيطاً، في حين الصعود يكون مرتفعاً دوماً وذات تأثير كبير على المواطن محدود الدخل.
وطبعاً هذه الجزئية لا يلحظها صناع القرار بحجة أن الرفع المتكرر لا يتجاوز 500 ليرة، لن تكون ذات تأثير كبير، وربما يكون ذلك صحيحاً لو اقتصرت على مرة واحدة والسلام، لكن حينما أصبح ذلك نهجاً حكومياً لتسير الأمور ”من قريبه“، تراكمت هذه الزيادات وأصبحت عبئاً ثقيلاً حتى على أصحاب الدخول الجيدة وميسوري الحال، فكيف بالعاملين بأجر ومن لا يملك عملاً أساساً، وخاصة أن ذلك ينعكس سلباً على التنقل اليومي، الذي أصبح مكلفاً وشاقاً، في ظل ظل أزمة نقل مستعصية، ليصبح مثلاً ركوب التكاسي في حال تعثر الظفر بمقعد في السرفيس، خياراً مراً جراء تعرفتها الخيالية نتيجة رفع أسعار البنزين المتكررة، والحال ذاتها تنطبق على أسعار المنتجات وخاصة الزراعية عند نقلها من مكان لآخر نتيجة هذه الزيارات المفاجئة وغير المبررة، والمحصلة من كل الاتجاهات من جيوب المواطنين.
وهنا إذا كنا نبرر للرسميين اتخاذ هذه القرارات الخاطئة في مفعولها السلبي على الاقتصاد المحلي وقطاعاته المنتجة والمواطن الغلبان، تحت وطأة تكاليف استيراد المحروقات وفاتورة المرهقة، لكن يصعب تبرير عدم إحاطتها بتأثير هذه القرارات وعدم المبادرة إلى اتخاذ إجراءات تحسن واقع المعيشة المنهك بالتوازي بحيث تمكن العائلات المحدودة الدخل والفقيرة من مواجهة غول الغلاء، الذي تزيد وطأة قرارات الجباية المستمرة، فالرفع المستمر لأسعار المحروقات يعد أحد أسباب زيادة أسعار المنتجات، فلما يسارع صناع القرار إلى رفع أسعار الخدمات والسلع، ويفضلون التريث في معالجة أحوال الناس المتعبة وخاصة بعد لحظ انحدار أغلب العائلات نحو خط الفقر المرعب.
وهل فعلاً لا يمتلك الفريق الاقتصادي حلولاً أفضل أو طرقاً لإدارة الموارد واستثمارها وتحصيل الأموال سوى سياسة رفع المشتقات النفطية والخدمات والاعتماد على جيوب المواطن الفارغة أساساً، وإلى متى سيتم اعتماد هذه السياسة الخاطئة، وتجاهل خيارات كثيرة أكثر جدوى وفاعلية للخروج من الأزمة الاقتصادية والمعيشية، التي تتطلب إدارتها التفكير من خارج الصندوق وتوجيه بوصلة الدعم نحو الفلاح والصناعي المنتج، وليس أهل المال وأصحاب الثروات ومحدثي النعمة، الذين استطاعوا النفاذ إلى المطبخ الاقتصادي وأصبحوا يفضلون القرار على مقاس مصالحهم.
تحسين الواقع المعيشي للمواطن الصابر على كل هذه النكبات، أصبح ضرورة ملحة يفرضها الأمن الاقتصادي والاجتماعي، واستمرار التغافل عن هذه الحقيقة والهروب صوب تحصيل بضعة مليارات “سرعان ما تتبخر” من قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية والخدمات المتواصل، سيضع الاقتصاد المحلي ومواطنيه في مأزق خطير يصعب الخروج منه من دون خسائر مكلفة، وسط ارتفاع أصوات المهتمين من خبراء اقتصاديين وباحثين وصحفيين للعدول عن هذه السياسة المربكة وتفادي هذه الخسائر مسبقاً، لكن لا حياة لمن تنادي، وكأن الفريق الاقتصادي يعيش في كوكب آخر، وخاصة لجهة اعتماده على المواطن في حلحلة كل الأزمات وكأنه يملك مال “قارون” بينما هو بالكاد قادر على تأمين كفاف يومه، لذا آن أوان تغير السياسة الاقتصادية الخاطئة المتبعة بحجة ترميم عجز الموازنة، ليعجز الجميع معها في ظل استمرار سيناريو رفع الأسعار والتضخم المخيف، فإلى متى هذه الحال..؟!.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة