ما بعد استهداف “القنصلية”… علاقات تتحدى الإرهاب
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
لم يتركوا وسيلة إلا واستخدموها لقطع أواصر التواصل بين الشعبين السوري والإيراني، ولتعكير صفو العلاقات الإستراتيجية بين قيادتي البلدين، إلا أن محاولاتهم ذهبت أدراج الرياح؛ لأن تلك العلاقات لم تعتمد على المصالح المشتركة التي تعتبر الأساس في العلاقات الدولية فقط، وإنما لأن هناك قواسم مشتركة ظهرت وتجذّرت بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية في إنهاء حكم الشاه وتحويل السفارة الإسرائيلية إلى مركز لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي اعتبرته دمشق موقفاً مبدئياً لتحديد علاقاتها الخارجية، لأنها تعتبرها قضية العرب المركزية، فصراعهم وجودي مع الكيان الصهيوني الاستيطاني الذي يهدد العرب ودول الإقليم.
وعبر أربعة عقود ونيف حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن تجبر سورية على إنهاء تلك العلاقة الراسخة، بالترغيب تارة، وبالترهيب تارة أخرى، وخاصة بعد غزو الجيش الأمريكي للعراق والرسالة التي حملها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن بأول إلى دمشق، وتبعه رئيس وزراء بريطانيا برسالة تهديد مماثلة لدمشق كي “تقطع” علاقاتها مع طهران ومع قوى المقاومة، لكنهما عادا بـ”خفّي حنين”.
وحتى في بداية الأحداث المترافقة مع “الربيع العربي” عام 2011 وصلت رسائل مشابهة، وإلا فإن سورية ستواجه الإرهاب الدولي وإرهاب التنظيمات الإرهابية بأشكالها.
إن هذه العلاقة الإستراتيجية بين سورية وطهران ليست لتهديد أحد، وإنما تتوافق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يبيح حق الدفاع عن النفس ومقاومة الاحتلال وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك تحقيقاً للمصالح والأهداف المشتركة بين الشعبين.
وبناءً عليه فالعلاقات الإيرانية السورية باتت تشكل معضلة كبرى لأمريكا و”إسرائيل” لأنها تهدد وجود الأخيرة، ومستقبل الهيمنة الأمريكية في المنطقة والعالم، وهذا ما شكل ذريعة أمريكية إسرائيلية لارتكاب عشرات الاعتداءات على المواقع العسكرية والمدنية، وتكرار خرقهما لاتفاق “فصل القوات” وصولاً إلى الاعتداء الصارخ على القانون الدولي وعلى حرمة البعثات الدبلوماسية بتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق الذي جرى بواريخ أمريكية وتنفيذ صهيوني استنكرته معظم دول العالم لما يحمله من خطر على مستقبل السلام في المنطقة والعالم.
واليوم بعد العدوان الآثم والمدان، تم افتتاح القنصلية الإيرانية في مقرها الجديد بدمشق بحضور وزير الخارجية الإيرانية عبد اللهيان ووزير الخارجية السوري المقداد ليوجه رسالة واضحة إلى كل من يعنيهم الأمر مفادها، بأن الإرهاب الأمريكي – الإسرائيلي الذي ينشر الخراب والفوضى في المنطقة والعالم لن يستطيع أن يؤثر على العلاقات الثنائية.
كذلك تكللت تلك الرسالة بلقاء السيد الرئيس بشار الأسد مع عبد اللهيان وتأكيدهما على تعزيز سبل دعم القضية الفلسطينية دولياً بعدما أقدم عليه جيش الاحتلال من وحشية غير مسبوقة تؤكد فشله الذريع في تحقيق أهدافه العسكرية.
كما يؤكد هذا المشهد المتعدد والحراك الدبلوماسي الثنائي، السعي الحثيث من دمشق وطهران لتحقيق التنمية والعيش الكريم ورفض جميع أشكال الهيمنة واحتلال أراضي الغير بالقوة والتلاعب بمصائر الشعوب وحقها في تقرير المصير.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة