مشروب “الغلابا” الشعبي يدخل بورصة الأسعار المتصاعدة… ووعود تخفيض “المتة” يطيرها “شيوخ الاستيراد” المسيطرين
خاص غلوبال – رحاب الإبراهيم
أذكر منذ عدة سنوات أعدت صديقتي تقريراً صحفياً جريئاً يخص مستوردي “المتة” المعروفين بالاسم وكيفية إدارة لعبة الاحتكار لرفع الأسعار حساب مصالحهم، وهذا ما كان ليحدث لولا تواطؤ بعض الموظفين في هذا الوزارة أو تلك، وقتها قامت الدنيا ولم تقعد لمجرد الاقتراب من الشركات الموردة للمتة وكشف صفقات تفوح منها روائح الفساد، وبعد الكثير من الأخذ والرد لفلفة القضية من أساسها برد توضيحي تبرأ فيه الشركة ساحتها وكأن شيئاً لم يكن من دون اتخاذ أي إجراء لكشف المخالفات والمتورطين.
هذه الحادثة، التي تبين سطوة “شيوخ كار” استيراد المتة أن صحت التسمية، عادت إلى ذاكرتي عند إقرار وزارة التجارة الداخلية رفع سعر المتة إلى 10 آلاف ليرة، بحجة ضبط مؤشر سعر هذا المشروب الشعبي الأخذ بالتصاعد بعد دخوله بقوة بورصة السلع المرتفعة، لذا لم يشكل القرار الصادر صدمة لعشاق المتة كونهم تلقوه منذ أسبوع حينما فرض التجار أسعارهم من دون انتظار تسعيرة التموين، التي مهد لها على لسان مدير التسعير، ما يعني أن طبخة رفع الأسعار كانت معدة مسبقاً بالتشاور مع مستوردي هذه المادة التي أصبحت أساسية لعائلات كثيرة، لكن علامات الاستفهام كثيرة ظهرت حول مبررات رفع أسعار هذا المنتج، الذي كان يتوقع انخفاضه حسب الوعود، فماهي موجبات تشريع وزارة التجارة لحجج المستوردين في رفع سعره، وخاصة أنه لا يوجد تطورات جديدة تزيد من تكاليفهم حتى مع ارتفاع سعر الصرف كونهم استوردوا الكميات المطروحة في الأسواق منذ أشهر باستثناء رغبتهم باقتناص الفرصة لحصد أرباح إضافية كغيرهم من تجار المواد الأساسية، واللافت أن التقارير تشير إلى انخفاض تكاليف الشحن وأسعار السلع عالمياً، وهي أمور يبدو أنها لا تلحظ عند إقرار زيادة الأسعار تماما كما يحصل عند تجاهل أحوال المواطن المادية وضعف راتبه الذي لم يعد يكفي لشراء بضعة علب من المتة.
رفع سعر المتة المفاجئ، أعاد إلى الذاكرة النشطة هذه الأيام تصريح لوزير التجارة الداخلية ووعده بتخفيض أسعار هذا المنتج منذ أشهر قليلة عند لقائه سفير جمهورية البارغواي في لبنان ووفد من شركة selent المنتجة للمتة، حيث عقد العزم حينها على توريد المتة بأسعار منافسة بعد عرض الوفد أنواع المتة المنتجة في الباراغوي وكيفية توريدها إلى سورية، فهل زيادة أسعار هذا المشروب الشعبي المصنف “أساسي” عند التجارة الداخلية حسب التصريح نفسه يأتي ضمن خطة الوزارة المعنية بحماية المستهلك لتخفيض أسعاره، وأين طارت تلك الوعود، التي غالباً ما تأتي معاكسة بزيادة أسعار تقصم ظهر المواطن، غير القادر على تحمل نكبات جديدة ووعوداً مسكنة، لا تطعم الناس خبزاً ولا تسقيهم متة.
زيادة أسعار المتة وغيرها من السلع الغذائية المتسارع خروجها من حسابات معظم العائلات، يتضمن انتهاكاً فعلياً لحقوق المواطن عند النظر إلى أجره الشهري المعدم، وتظهر بالوقت ذاته عنجهية وتسلط حيتان السوق والاحتكار على الأسواق والمعيشة بعد ما سلمت الجهات المسؤولة عن ضبط الأسواق الراية لهم طيلة سنوات الحرب، وهو ما بات يتطلب قرارات من العيار الثقيل تفكك قبضة التجار وتعيد الأسواق إلى حيز مؤسسات الدولة، بداية عبر استرجاع مفعول قانون حماية المستهلك، الذي فرغ من مضمونه الرادع بتوقع وزارة التجارة الداخلية، التي أصبح ضرورياً إصلاح حالها وإعادة هيكلتها وآليات عملها في التسعير والرقابة، مع محاسبة المقصرين والفاسدين ممن ساهموا في إيصال الواقع المعيشي إلى التأزيم الحاصل، عند إقرار تسعيرة لا تكترث بقدرة المستهلك المعنية بحمايته، وفي الفشل الذريع في ضبط الأسواق وتجاوزات التجار المتزايدة.
وبالمقابل رغم مصاب المستهلك في دخله ومعيشته، لا بد له من تسجيل موقف منعاً لاستغلال التجار المستمر عبر مقاطعة السلع التي ترتفع سعرها من “المتة وجر”، حيث يفترض تعميم هذه الثقافة المؤثرة على نحو يجبر المخالفين عن الكف عن المتاجرة بحاجة المواطنين على “عينك يا تموين”…فطالما الجهات المكلفة بحمايته غير قادرة على انصافه لا ضير من بعض الحماية الذاتية “الفاعلة”، وأن كان وضع الأسواق المتروكة على غاربها بات يتطلب إعادة ملف دمج وزارة التجارة الداخلية مع وزارة الاقتصاد كالسابق إلى الواجهة رأفة بالمواطن والخزينة.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة