معادلة غير موجودة خارج سورية… العمال يستقيلون والحكومة بحاجة عمال “ببلاش”… خبير اقتصادي لـ«غلوبال»: “صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تأكل، وكُل حتى تشبع”
خاص دمشق – زهير المحمد
انقلبت الآية في القطاع العام خلال السنوات الخمس الأخيرة، بعد استفحال ظاهرة التضخم، والشح الكبير في قيمة الأجور مقابل الارتفاع الكبير في تكلفة المعيشة.
قبل العام 2019 كانت الجهات العامة الحكومية ملأى بالموظفين الذين لا يجدون مكاتب ليجلسوا عليها، وكان المسؤولون يشتكون من أن البطالة المقنعة وسياسة التوظيف الاجتماعي المتبعة هما السبب الأهم في خسارة مؤسسات وشركات القطاع العام، لكن ومنذ العام 2019 وجائحة كوفيد 19، فقدت الليرة السوري نحو 1400% من قيمتها، وأصبح أعلى راتب حكومي لموظفي الفئة الأولى لا يتجاوز 35 دولاراً شهرياً، وبدأت موجة “نزوح” كبيرة من القطاع العام، بعد أن كان التسرب الوظيفي مقتصراً في البداية على الشباب من الذكور، ولحق بهم ذوو الاختصاصات والكفاءات العلمية من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات.
هذا الأمر لفت نظر المسؤولين، ودق ناقوس الخطر بسبب الخوف من فقدان الأيدي العاملة في المنشآت الحكومية، وتزايد حركة الاستقالات والإجازات بلا أجر، فتمت عدة زيادات للرواتب والأجور لكن، بالتزامن مع إجراءات حرضت على ارتفاع الأسعار والتضخم، مثل رفع أسعار المحروقات والخدمات الحكومية، وهذا لم يوقف النزيف من القطاع العام، إضافة إلى توقيف الموافقات على الاستقالات أو تقييدها عبر وضع بعض الشروط.
يقول ماجد العامل من الفئة الثانية في إحدى الشركات الصناعية العامة لـ«غلوبال»: راتبي يقارب 20 دولاراً شهرياً، لا يكفيني أكثر من خمسة أيام لشراء الحاجيات الأساسية لعائلتي، وأعمل مساءً كسائق تكسي أجرة، وقبل سنتين كان هذا يساعدني على تأمين المصروف، وأصبح الوضع حرجاً مع تزايد الأسعار، ومنذ عامين أحاول تقديم استقالتي للذهاب إلى أربيل في إقليم كردستان العراق، والعمل في فندق براتب يعادل 500 دولار، لكن طلباتي المتكررة رفضت، والتصريحات الحكومية بتحسين الوضع المعيشي للموظفين تزايدت لكن بلا أي ترجمة على أرض الواقع.
أما طبيب الأسنان أيمن فقد أكد أنه مضطر للهجرة إلى أي دولة، فالإيراد الشهري غير مجدٍ، ولاسيما بعد ارتفاع الأسعار وعدم قدرة الناس على معالجة أسنانها في ظل الغلاء الفاحش، لذلك فقد حصل على إجازة بلا أجر بعد أن حصل على عقد عمل في سلطنة عمان، لأن البقاء في سورية لن يمكنه من تأسيس عائلة، والعيش بشكل كريم بعد فترة طويلة من الدراسة والتعب.
أكثر من 50%
المعهد الوطني للإدارة العامة، وهو إحدى الجهات البحثية المهمة في سورية، قدم دراسة حول التسرب الوظيفي وآثاره الاقتصادية والاجتماعية.
أحد المشرفين على هذه الدراسة أكد أن الدراسة وصلت إلى أن هناك خمس وزارات بلغت نسبة التسرب منها أكثر من 50% مقارنة بالعام 2010، وأن التسرب الأكبر كان لدى الذكور، إذ تراوح ما بين الضعفين إلى الخمسة أضعاف مقارنة بالإناث.
كما بينت الدراسة أن معدل التسرب لدى الذكور 32.7 بالمئة من مؤسسات القطاع الحكومي والعام، واستخلصت الدراسة أن الإناث سيصبحن الأكثرية في الوظائف الحكومية، أما على مستوى الشهادات العلمية، فقد بينت الدراسة أن هناك 40.4 % من المتسربين يحملون شهادة المعاهد المتوسطة، و54.11 % من حملة الشهادة الابتدائية وما دون.
معادلة وحيدة
الخبير الاقتصادي أحمد المحمود شبه حالة الموظفين بالمثل السوري المعروف: “صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تأكل، وكُل حتى تشبع”، متسائلاً من سيبقى في القطاع العام، أو حتى في القطاع الخاص السوري، مع هزالة الأجور التي لا تكفي أجور طرقات وثمن خبز؟.
كيف نحافظ على شبابنا وموظفينا وما يقدم لهم من رواتب لا تسد الرمق؟.
مضيفاً: كل عام يزيد الوضع سوءاً بالنسبة الموظفين أو ذوي الدخل الثابت، مقارنة بالعام الذي قبله، إن لم نقل كل شهر، المسؤولون يعدون بتحسين الوضع المعيشي، واتحاد نقابات العمال في كل مناسبة يؤكد أن الرواتب لا تكفي، ومنذ عامين تقريباً صدر مرسوم بإنشاء نظام حوافز، قيل إنه سيحسن الوضع المادي للعمال، ولم يطبق إلا بعد عام في عدد محدود من الجهات العامة، وبعد أشهر قليلة من تطبيقه، وإلغاء أنظمة الحوافز التي كانت مطبقة قبل المرسوم، اكتشفت الحكومة أن الأنظمة التي أقرت غير مناسبة، فأوقفت العمل بالمرسوم الجديد وأعادت ما كان سابقاً، واعدة بدراسة الأمر.
وأشار المحمود إلى أن أسعار كل شيء في سورية يقيم على أساس الدولار بما فيه المنتجات والخدمات الحكومية، إلا قوة العمل، وهناك مؤسسات حكومية وخاصة تتفاخر بتحقيق الأرباح والمنافسة “رغم الصعوبات”، لكن ذلك مرده بالدرجة الأولى إلى انخفاض الأجور، واستغلال العمال، الذين لا يحصلون على دخول تمكنهم من العيش بمعايير الحد الأدنى للفقر وهو دولار يومياً، وعندما يتقدم العامل باستقالته إذا وجد فرصة عمل خارج سورية ترفض، وفي حال سفره أو غيابه عن عمله يحال إلى القضاء ويمكن أن يدفع غرامات ويوضع في السجن.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة