خبر عاجل
استمرار لخطوات التمصرف والتحول الإلكتروني… مدير الدفع الإلكتروني في التجاري السوري لـ«غلوبال»: إضافة 21 كازية جديدة إلى منظومة الدفع الإلكتروني غلاء مستلزمات الإنتاج يرفع أسعار العسل… مدير زراعة السويداء لـ«غلوبال»: الإنتاج المتوقع أقل من السنوات الماضية إجراءات لتأمين عودة الأهالي وترميم الأسواق التراثية… مدير كهرباء حمص لـ«غلوبال»: توزيع المحولات الواردة فوراً وتركيب 2‐3 منها أسبوعياً الانتخابات ستكون إلكترونية… عضو غرفة تجارة دمشق لـ«غلوبال»: الأولوية تشكيل الأعضاء المناسبين وتجاوز الأخطاء السابقة حسام جنيد يعلّق على خبر حصوله على هدية من “رجل أعمال” عمل كوميدي يجمع سامية الجزائري ونور علي وأيمن عبد السلام في رمضان 2025 ما التصنيف الجديد لمنتخبنا الوطني الأول؟ ما دور هوكشتاين بتفجير أجهزة البيجر في لبنان؟ “العهد” يحاكي البيئة الشامية برؤية مختلفة يعرض في رمضان 2025 اللاعب إبراهيم هيسار ينضم لنادي زاخو العراقي
تاريخ اليوم
خبر عاجل | رأي و تحليل | سياسة | نيوز

ملف الأسبوع من “غلوبال”: “سـورية وتركيا.. استدارة بطيئة”

خاص شبكة غلوبال الإعلامية – بقلم بديع عفيف

1ــ استمرار تناقض الإشارات التركية.

2ــ سؤال مستمر: لماذا يغيّر أردوغان جِلده؟

3ــ أردوغان يعيد حساباته الداخلية والخارجية.

4ــ التقارب السوري – التركي يستفزّ واشنطن.

أولاً، استمرار تناقض الإشارات التركية:

ذكر تقرير ابراهيم حميدي في الشرق الأوسط، أنّ المحادثات الأمنية بين مدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك ومدير الاستخبارات التركية حقان فيدان، في موسكو، أظهرت استمرار الفجوة بين الجانبين، في إطار الجهود الروسية لتشجيع الطرفين على تطبيع العلاقات. ونقل عن مصادر روسية وغربية وعربية، قولها إن مملوك وفيدان قدما لائحة طويلة من المطالب. وتضمنت مطالب دمشق احترام السيادة السورية، ووضع جدول زمني للانسحاب التركي، ووقف دعم الجماعات المسلحة، وإعادة إدلب واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى، وفتح طريق «إم 4» الذي يمتد من البحر المتوسط غرباً إلى العراق شرقاً، ومساعدة دمشق على تخطي العقوبات الغربية والعودة إلى الجامعة العربية والمنظمات الدولية وإعمار سورية واستعادة السيطرة على الثروات الطبيعية من نفط وغاز شرق الفرات.

أما مطالب أنقرة، فتشمل: عملاً جدياً ضد «حزب العمال الكردستاني» والتعاون الأمني في البلدين لضبط الحدود، ومفاوضات مع المعارضة السورية المدعومة من تركيا للوصول إلى تسوية، وعودة اللاجئين، وإنشاء مناطق آمنة في حلب وجيوب أخرى شمال سورية بعمق 30 كلم، وتسهيل عمل اللجنة الدستورية السورية.

ويواصل الجانب الروسي وساطته لردم الفجوة والبناء على اهتمام الجانبين بالبحث عن «تنسيق ضد الأكراد والحركات الانفصالية»، ويقترح وضع «خطة عمل» وتطوير اتفاق أضنة لعام 1998. إلى ذلك، وقع الرئيس بشار الأسد مرسوم تعيين نائب وزير الخارجية بشار الجعفري سفيراً في موسكو، التي قررت استعجال الموافقة الدبلوماسية، ما يفتح الباب أمام تعزيز الوساطة. واستطراداً، لا تزال موسكو متمسكة برفض انعقاد اللجنة الدستورية السورية في جنيف. ورغم زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسن إلى روسيا، فإن المعطيات تشير إلى استبعاد انعقاد اللجنة في الأشهر المقبلة، وأن أحد الخيارات هو عقدها في أستانة، علماً بأن أردوغان اقترح في طهران عقدها في مدينة يكون فيها مقر أممي. أيضاً، يعقد المبعوثون الغربيون الثلاثاء المقبل في جنيف، اجتماعاً تنسيقياً، بطلب من المبعوث الأميركي إيثان غولدريش، لـ«تنسيق المواقف العربية والغربية المعارضة للتطبيع العربي مع دمشق، وللتأكيد أن جنيف مكان طبيعي لعمل اللجنة الدستورية».

وتابع تقرير حميدي، أنه في موازاة وساطة موسكو بين أنقرة ودمشق، هناك وساطة من مدير المخابرات اللبناني عباس إبراهيم وآخرين بين دمشق وواشنطن بشأن الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سورية قبل عشر سنوات؛ عباس إبراهيم سبق له أن توسط خلال إدارة ترامب، وجدد الوساطة في عهد بايدن. لكن اللافت أن رد دمشق لم يتغير كثيراً: لا تفاوض حول تايس قبل الانسحاب الأميركي وتفكيك قاعدة التنف ورفع العقوبات. الشيء الجديد حالياً، أن دمشق قررت الخروج إلى العلن، وأصدرت بياناً تضمن قائمة مطالبها والقول إنها لم تقم باعتقال تايس، دون القول ما إذا كان حياً أم لا، وما إذا كان عندها أم لا؛ الآن، حرصت دمشق على إبلاغ الجانبين الروسي والإيراني علناً بمطالبها من أميركا، لأن الأولوية السورية حالياً هي إرضاء موسكو وطهران والبحث عن خطوط مع أنقرة، خصوصاً بعد المواجهة الغربية – الأميركية في أوكرانيا. وأوجز حميدي بأنّ جميع المؤشرات تشير إلى أن قطار التطبيع بين دمشق وأنقرة انطلق، وأن موسكو تعمل على صوغ محطاته وسرعته ومحتوياته، بين الانتقال السريع إلى الإطار السياسي، أو البقاء في الإطار الأمني والبحث عن أهداف واقعية مشتركة.

وأفاد تقرير في صحيفة الأخبار اللبنانية، رصدَ المواقف التركية، أنّ التناقض مستمرّ في الإشارات الآتية من تركيا بخصوص مسار المصالحة مع سورية، وآخر مظاهره تلويح متجدّد بعملية عسكرية في الشمال السوري، ودعوة من خارج السياق إلى «وضع دستور جديد لسورية بالسرعة الممكنة». دعوةٌ سرعان ما وجدت مؤيدين لها في أوساط القاعدة «الأردوغانية» الرافضة للمصالحة، والتي عادت إلى رفع سقف الشروط حدّ الحديث عن «منطقة آمنة»، فيما ذهبت منابر المعارضة إلى الحديث عن الصعوبات التي تعترض طريق التطبيع، من دون أن تَعدّ ذلك مستحيلاً.

جاءت تصريحات وزير الخارجية فيصل المقداد، خلال زيارته الأخيرة لموسكو، واضحةً لناحية التأكيد أن مفتاح المصالحة مع تركيا، يتمثّل في انسحاب جيشها بشكل كامل من الأراضي السورية، وتخلّي حكومتها عن كلّ أنواع الدعم للمنظّمات الإرهابية، وتوقُّفها عن التدخُّل في الشؤون الداخلية السورية. لكن الإشارات الآتية من أنقرة بهذا الخصوص لا تزال موسومة بالتناقض؛ إذ جدّد أردوغان تهديداته بأن بلاده «ستُواصل عملياتها العسكرية وفقاً لأولوياتها.. وأنه «من دون شريط أمني بعمق 30 كيلومتراً، فلن تنتهي عملياتنا العسكرية». بدوره، اعتبر وزير الدفاع، خلوصي آقار، في حوار مع صحيفة خبر تورك، أن «تل رفعت ومنبج تَحوّلتا أخيراً إلى عشّ للإرهاب. وعملياتنا العسكرية ستتواصل حتى تنظيف المنطقة نهائياً من الإرهاب». ودعا إلى «وضع دستور جديد لسورية بالسرعة الممكنة، حتى تَجري على أساسه انتخابات تنبثق عنها حكومة شرعية».

وكتب في الصحيفة عينها، كمال أوزتورك، المُوالي للسلطة، قائلاً إن «أيّ سلام تركي مع سورية يجب أن يتضمّن دستوراً جديداً وانتخابات، وعودة اللاجئين واستعادة ممتلكاتهم، وإخراج الميليشيات الإيرانية من سورية، وعدم انسحاب القوات التركية إلّا بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية والروسية والإيرانية وحزب الله، ووقف نشاط حزب العمال الكردستاني، ووضع نظام دستوري يساوي بين جميع الأعراق والمذاهب». واعتبر أنه «في حال لم تُوافق سورية على هذه الشروط، يجب استصدار قرار من الأمم المتحدة بإنشاء منطقة آمنة ومنطقة حظر جوّي فوق سورية وما إلى ذلك من إجراءات».

وعلى مقلب الكتّاب المعارضين، كتب الباحث في الشؤون الخارجية، باريش دوستر، في صحيفة جمهورييات المعارضة، أن «مجرّد الوصول إلى مرحلة المفاوضات والجلوس إلى طاولة واحدة بين أنقرة ودمشق بعد 11 عاماً من القتال، هو أمر مهمّ وإيجابي»، مستدركاً بأنه «يجب القيام بالمساءلة عن الوضع الذي وصلت إليه تركيا التي تُعتبر من أكبر الخاسرين، بعد سورية، من الحرب القائمة، فيما كسبت الولايات المتحدة واستقرّت في سورية داعمةً قوات الحماية الكردية، وكسبت باتّخاذ اليونان وجنوب قبرص قاعدتها الرئيسة في شرق المتوسّط». ويشير دوستر إلى «انهيار السياسة الخارجية التركية التي تدّعي أنها رائدة العالم الإسلامي وزعيمة العالم العربي، فيما لم يتسبّب حبّ الإخوان المسلمين سوى في إلحاق الضرر الكبير بتركيا وإخافة العالم العربي»، مضيفاً: «لقد فُهم مرّة أخرى كم أن العلمانية ضرورية، ليس فقط في السياسات الداخلية بل أيضاً في السياسات الخارجية».

وفي جمهورييات أيضاً، كتب محمد علي غولر أن «الباب مع دمشق قد فُتح، ولكن يَصعب فتحه بالكامل». ورأى الكاتب أن «العقبة الأساسية أمام التطبيع مع دمشق هي سياسات أردوغان المتعدّدة الأبعاد، من الفوز بانتخابات الرئاسة، إلى الحاجة إلى الرئيس بوتين، لتحقيق المصالحة»، متابعاً أن هذه الصعوبات تتجلّى في تصريحات لمسؤولين في السلطة مِن مِثل: «نحن لم نقُل اتفاقاً بل مصالحة»، و«الهدف ليس التطبيع بل الحوار»، و«نظرتنا إلى الأسد لم تتغيّر». ومع ذلك، شدّد غولر على أن «التطبيع بين أنقرة ودمشق أهمّ من كلّ العقبات»، راسماً خريطة طريق لكيفية تحقيقه، على النحو الآتي: انسحاب الجيش التركي تدريجياً من سورية وتسليم السيادة للجيش السوري؛ إغلاق أنقرة جميع المقرّات السياسية للمعارضة في تركيا، كما قطْع كلّ العلاقات العسكرية مع المعارضة في الداخل السوري؛ تطوير دمشق لنموذج العفو العام لنزع السلاح والبدء بحلّ مشكلة اللاجئين ميدانياً؛ أن يعمل الجيشان السوري والتركي معاً ضدّ كلّ الجماعات التي ترفض إلقاء السلاح.

من جانبه، عكَس جعفر تار، في صحيفة يني أوزغور بوليتيكا التابعة لحزب «العمال الكردستاني»، جانباً من الموقف الكردي من مسألة المصالحة، قائلاً إن «أردوغان، الخاسر الحقيقي في الحرب السورية، يريد لقاء الأسد في أسرع وقت وإنهاء العملية بأقلّ ضرر ممكن. ولكن هل النظام في سورية مستعدّ لذلك وبأيّ شروط؟». ورأى تار أن «الكثير قد تَغيّر في المنطقة منذ عشر سنوات. لكن الأسد وأردوغان لم يَعُد بإمكانهما حلّ المشكلة بمفردهما، والسلام الدائم لن يكون ممكناً من دون موافقة الأكراد وحلفائهم».

ثانياً، سؤال مستمر: لماذا يغيّر أردوغان جِلده؟

ولكن، لماذا أصبح أردوغان فجأة طيبا مع أعدائه؟ سؤال طرحته الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أصلي أيندطشباش، في مقالها بصحيفة واشنطن بوست، وأجابت: لا تقلل من شأن أردوغان، فرغم سجله الذي حصل عليه باقتدار كزعيم قوي شرس، إلا أنه طالما أظهر حسا ذكيا عندما شعر أن الوقت قد حان للتخلي عن موقف غير مؤات. وهو يظهر هذا الآن؛ بالطبع، لدى أردوغان أسبابه الخاصة للبحث عن أصدقاء عند من كان يريد الهيمنة عليهم. فقبل انتخابات عام 2023، يبدو الزعيم التركي ضعيفا ويواجه معارضة موحدة واقتصادا مترنحا وشعبية متراجعة. وأصبحت الخزينة التركية خالية تقريبا، والليرة التركية تفقد قيمتها باستمرار، ووصل  معدل التضخم إلى 80%، ورغم سيطرته الشديدة على البلد، إلا أن حظوظ إعادة انتخابه غير مؤكدة. وأوضحت الكاتبة:

يأمل الرئيس أن صداقاته الجديدة مع الأعداء السابقين، خاصة مع دول الخليج، قد تجلب المال الذي يحتاجه حتى يستطيع عبور المرحلة الحالية حتى الانتخابات، وتجنب الإفلاس الذي يلوح بالأفق وأزمة دفع الديون. وأكبر تحول في السياسة، هو الإشارات التي صدرت من أنقرة حول استعدادها لبدء الحديث مع بشار الأسد، بعد سنوات من محاولة الإطاحة به ودعم أعدائه. لكن لململة العلاقات مع دمشق ليست مرتبطة بالوضع المالي، أكثر من محاولات تهدئة الناخب التركي الغاضب من وجود ملايين اللاجئين السوريين في البلد. ولطالما طالبت المعارضة التركية بتطبيع العلاقات مع دمشق، على أمل العودة الطوعية للاجئين السوريين. وقفز أردوغان الآن إلى العربة، واتخذ خطوات لتشجيع إعادة ملايين السوريين الذين فروا من نظام الأسد.

وفي الواقع لن يحدث شيء من هذا القبيل، فالأسد لم يظهر إشارات أنه تغير، أو خلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين. وبوجود 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، ومليون على حدودها فلن تستطيع أنقرة فرض عملية توطين بين المعارضة والنظام، علاوة على ترحيل السوريين إلى مستقبل مجهول. لكن وعد العودة للوطن كما هو مضاد للواقع، هو ما يهم في الانتخابات؛ ويأمل أردوغان أن يؤدي الحديث عن محادثات مع دمشق لتخفيف الضغط عن سياسته السورية. وبدأت عمليات خفض التوتر مع دول المنطقة تثمر، فقد أظهر المصرف المركزي التركي زيادة غير محددة بأكثر من 17 مليار دولار منذ بداية العام. وتتكهن الأسواق أن هذه هي أموال خليجية وروسية، والمزيد قادم. وأردفت الكاتبة:

وفي الوقت الذي لم ترض دول الناتو عن عدم فرض تركيا العقوبات على روسيا، إلا أنها سكتت نظرا للوضع الاستراتيجي لتركيا كبوابة للبحر الأسود، المهم لدفاع أوكرانيا عن نفسها، وآخر شيء تريده أوروبا هو إغضاب أردوغان ودفعه أكثر نحو الكرملين. وترى الكاتبة أن الحملة الدبلوماسية لأردوغان ذكية، لكنها لا تغير الكثير من الواقع المحلي الذي دفعها؛ فرغم النزعة الشمولية للنظام، إلا أن النظام الانتخابي تنافسي، والناخبون غير راضين عن اتجاه البلد وسوء إدارة الاقتصاد والتضخم. وربما منعت الأموال الأجنبية حدوث كارثة اقتصاديةـ إلا أن نتيجة الانتخابات لا يحددها بوتين، أو الأسد أو محمد بن سلمان، بل الناخب التركي. وحتى هذا الوقت، فهو ليس مقتنعا بقدرة أردوغان على توفير ما يريدونه في المستقبل.

وتساءل سعيد عبد الرازق في الشرق الأوسط: لماذا تخلت تركيا الآن عن رفضها تطبيع علاقاتها مع سورية الأسد؟ وأوضح أنّالاعتقاد السائد الآن في أوساط المعارضة السورية هو أن ضغوط روسيا على تركيا هي التي أدت إلى رضوخ أنقرة للحوار وإعادة العلاقات مع دمشق. وهو اعتقاد يتبناه ساسة أتراك كبار مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي يرأس حاليا حزب «المستقبل» المعارض. وعموماً، يرى محللون أن تغييرات كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي دفعت تركيا لاتخاذ هذه الخطوة، من بينها أن بين هذه التغيرات «الحرب الأوكرانية الروسية، وظهور نظام عالمي جديد بعد كوفيد – 19 سواءً على الصعيد الاقتصادي أو السياسي والعسكري، وظهور تكتلات جديدة في المنطقة والعالم، واكتشاف تركيا أنها لا يمكن أن تبقى بمعزل عن هذه التغيرات وبخاصة مع الدول المجاورة، وإدراكها أن علاقاتها مع دول الجوار لم تكن بالمستوى المطلوب لانغلاقها على نفسها… ولذا تحركت لتقليص الخلافات في علاقاتها مع دول المنطقة والعالم. ويضيف معلقون أن السياسة التركية الجديدة حيال بالملف السوري تشي بأن حكومة أردوغان ترغب في إحداث اختراق حقيقي يحسن حظوظها في البقاء على رأس السلطة قبل انتخابات العام المقبل، كون الملف السوري ينعكس على تركيا ومصالحها في الداخل والخارج.

وتساءل فاضل المناصفة في صحيفة العرب: لماذا يطرق أردوغان باب دمشق؟ وأوضح انّ التصريحات الأخيرة لأردوغان واستعداد أنقرة لإجراء حوار مع دمشق يمثل تحولا في الموقف التركي من نظام الأسد ويعبر عن رغبة تركيا في تعزيز أمنها القومي في ظل المتغيرات التي تحدث… جاء الآن دور الملف السوري، خاصة الذي كان أردوغان يطبخه على نار هادئة. أردوغان لم يستبق الأحداث، وانتظر حتى تتضح الرؤية حول مصير سورية في الجامعة العربية والموقف العربي منها. وربما كانت زيارة الرئيس الجزائري إلى تركيا فرصة مناسبة لأردوغان لبناء تصور واضح عما يجري في الملف السوري، وفهم أين وصلت الجزائر في جهودها الدبلوماسية لإعادة سورية إلى الجامعة العربية، ومن يتفق ومن يعارض خفية على عودة التطبيع مع نظام بشار الأسد. وهل ستتجه دول الخليج إلى فتح صفحة جديدة مع الأسد، أم أن التوقيت لا يزال مبكرا لفتح ملف سورية؟

ولفت المحلل إلى أنه وخلافا لما يظهره الموقف العربي من ضبابية حول سورية، يبدو الموقف الدولي واضحا ومشجعا لأردوغان للمضي في فتح صفحة جديدة مع دمشق؛ فدول أوروبا تريد التخلص من اللاجئين السوريين وإعادة السواد الأعظم منهم إلى بلدهم؛ ويحتاج هذا إلى هدوء داخل سورية واعتراف بوجود نظام قائم، بغض النظر عن شرعيته، ليتم التحضير لإبعادهم، بعد أن امتلأت أوروبا بالأوكرانيين. وتابع المحلل: أما الموقف الأميركي فهو يذهب في نفس الاتجاه الإسرائيلي. على الصعيد الأمني؛ إسرائيل تنظر بقلق لما يجري في لبنان وتتخوف من انهيار الدولة اللبنانية، وسقوطها في فراغ قد يملأه حزب الله وإيران أو حتى روسيا، وهي ترى أن لا فائدة من بقاء سورية ضعيفة ومقسمة بل لا بد من إعادة إحياء دور دمشق العسكري في لبنان، تحضيرا لتفكك البلد ودخوله في حرب أهلية ستستفيد منها إيران بتعزيز جناحها وتشكيل خطر على إسرائيل. وباختصار يمكن القول إن وجود سورية في لبنان يصب في مصلحة تل أبيب.

وأضاف المحلل: تركيا أيضا تلعب على الحبلين؛ فهي تستشعر الخطر الذي تشكله روسيا في المشهد السوري وتحاول ألاّ تكون على تماس مباشر مع الوجود الروسي شمال سورية وهي من خلال التهدئة مع بشار الأسد توجه رسالة إلى بوتين بأنها تريد حدودا بعيدة عن الصراع الروسي – الغربي ولا ترغب في مواجهة قد تخلط أوراقها وتدفعها إلى ما يريده بايدن لا ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة؛

أردوغان يمسك بالعصا من الوسط وينتظر أن تتضح الرؤية في مصير الحرب بين الغرب وروسيا وهو يحاول أن يظهر تقارب وجهات النظر مع روسيا في الملف السوري ليتجنب الزج به في عملية عسكرية داخل الأراضي السورية هو في غنى عنها؛ ما تقتضيه مصلحة أردوغان يمكن أن يجعل عدو الأمس صديق اليوم ويمكن أن يقلب المواقف من النقيض إلى النقيض.

ثالثاً، أردوغان يعيد حساباته الداخلية والخارجية:

ونقلت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية عما وصفتها ببعض المصادر أن أنقرة طلبت من الائتلاف السوري المعارض مغادرة تركيا، وذلك في إطار مواصلة مساع لإعادة النظر في علاقاتها مع دمشق. وقالت الوكالة إن “بعض المصادر” ذكرت لمراسلها أن أحد المسؤولين الأتراك أبلغ سالم المسلط، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض خلال لقاء جرى الأسبوع الماضي، أن “أنقرة عازمة على إعادة العلاقات مع دمشق، وعلى المعارضة السورية أن تتكيف مع هذا الواقع”، وأن على المعارضة السورية في هذا الاطار “أن تسعى وراء العثور على بلد بديل ووقف جميع أنشطتها السياسية والإعلامية داخل تركيا”.

ولفتت تسنيم إلى أن وسائل الإعلام التابعة للمعارضة السورية، غيرت خلال الأسابيع الأخيرة “لهجتها إزاء الحكومة التركية، منتقدة بشدة (عنصرية الأتراك وإجراءاتهم المتسمة بالعنف ضد اللاجئين السوريين)”، مضيفة أنه “ومن هذا المنطلق، يمكن مقارنة سلوك هذه الوسائل الإعلامية بمواقف وسائل الإعلام المصرية التابعة لجماعة الإخوان المقيمة في تركيا، والتي غيرت لهجتها ازاء أنقرة بعد أوامر بمغادرتهم الأراضي التركية”.

واستنادا إلى ما وُصف بمصادر مطلعة، ذكرت وكالة تسنيم أن المعارضة السورية وافقت في هذا اللقاء على طلب أنقرة مغادرة الأراضي التركية، مشيرة إلى أن رئيس الائتلاف المعارض سالم المسلط، اقترح الهجرة الى السعودية، لكن عبد الرحمن مصطفى، “رئيس الحكومة المؤقتة (الهيئة الإدارية لتقديم الخدمات في المناطق الواقعة تحت الوصاية التركية في شمال سورية) اقترح الأردن؛ رغم اعترافه بأن أنشطتهم ستكون محدودة أيضا في الأردن”، نقلت روسيا اليوم.

في المقابل، وطبقاً للشرق الأوسط، نفت المعارضة تقارير إيرانية، زعمت أن تركيا طالبتها بالخروج من أراضيها بعد أن بدأت اتخاذ خطوات جادة لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري.

وأفادت صحيفة الأخبار اللبنانية، أنّ أنقرة تُحاول طمْأنة المعارضة السورية بأن أيّ حوار مع دمشق لن يكون على حسابها، وأنها ستضغط في اتّجاه إطلاق عملية سياسية أكثر جدّية، ترى تركيا أن الحكومة السورية تحتاج إليها من أجل التخلّص من الحصار المفروض عليها، وفق ما تقول مصادر قيادية في «الائتلاف السوري» المعارِض للصحيفة. لكن المصادر نفسها تؤكد أن قيادات «الائتلاف» تجد أن ما قُدّم لها من تطمينات تركية غير حقيقي؛ فالمصلحة التركية تقوم على ضمان تأمين الحدود وعدم تحوُّل الأراضي الشمالية من سورية إلى بؤرة تهديد للأمن القومي التركي، و”في مقابل ذلك، لا بدّ لها من تقديم تنازلات لن تقبل دمشق بأن تكون أقلّ من تصفية سلاح المعارضة وعودة الشمال إلى السيادة السورية”.

مع ذلك، تَلفت المصادر إلى أن قيادات «الائتلاف» باتت ملزَمة بتهدئة الشارع في مناطق الشمال، ودفْع الفصائل المسلّحة المنضوية تحت راية ما يعرف بـ«الجيش الوطني» نحو ممارسة دورها في منع التظاهر المضادّ لتركيا أو الإساءة إلى رموزها حتى وإن تطلّب الأمر استخدام القوة، مع الاستعداد لتبني أيّ نصّ تضعه أنقرة للحوار السياسي مع الحكومة السورية. على أن قيادة «الائتلاف» ستحاول البحث لنفسها عن ضمانات من غير الأتراك، فيما قد يكون الانتقال إلى الرياض هو الخيار الوحيد المتاح لها، في حال وجدت الرياض في ما ستطرحه المعارضة مصلحة لها، بحسب المصادر نفسها.

وتعتقد المصادر أن «الائتلاف» لم يُطرد بعد من أنقرة، كونه يمثّل إحدى أوراق القوة التي ستدعم الموقف التركي على الطاولة، معتبرة أن «مصير المعارضة والسيطرة على مناطق الشمال» هو ما ستُفاوض عليه تركيا مقابل تحقيق ضمانات أمنها القومي. وعليه، فإن قيادات «الائتلاف»، تتخوّف من منعها من مغادرة الأراضي التركية ووضعها تحت الإقامة الجبرية. ومردّ هذه المخاوف إلى تحسُّب تركيا لاحتمال تحوُّل تلك القيادات نحو موالاة أطراف منافِسة للأولى، مِن مِثل السعودية التي قد لا تتأخّر في قبول احتضان «الائتلاف» بهدف تحقيق مكاسب سياسية في الملفّ السوري، خصوصاً بعد تراجع دورها في السنوات الأخيرة بشكل كبير، وذلك لحساب أنقرة التي تمكّنت من إحكام سيطرتها على «الائتلاف» بشكل كامل.

رابعاً، التقارب السوري – التركي يستفزّ واشنطن:

وأفادت صحيفة الأخبار اللبنانية أنه في وقت تُواصل فيه موسكو وطهران جهودهما لتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، تمهيداً لإعادة تطبيع العلاقات السورية – التركية، وبالتالي إعطاء دفْعة قوية لمسار حلحلة الأزمة السورية، تعود واشنطن، التي ظلّت خلال الفترة القصيرة الماضية تعمل مِن تحت الطاولة، لتتصدّر المشهد، عبر محاولتها توحيد مجموعة من الأطراف المناوئة لدمشق، بهدف ضرب الجهود الروسية – الإيرانية وإفشالها (ضمن محور أستانة). وتستهدف الولايات المتحدة، من خلال ذلك، إجهاض أيّ محاولة لكسْر العزلة عن سورية وإعادتها إلى لعب دورها على الساحة، وإبقاء الوضع القائم في هذا البلد على ما هو عليه، رغبةً منها في تحصين وجودها العسكري في الشمال الشرقي، وضمان بقائها هناك أطول فترة ممكنة

وأوضحت الصحيفة أنه في رسالة سياسية مباشرة إلى روسيا، دعت الولايات المتحدة الأميركية، وبشكل عاجل، إلى عقْد اجتماع في جنيف السويسرية. الاجتماع الذي يُعتبر استكمالاً لمسارٍ قادتْه واشنطن خلال السنوات الماضية تحت مسمّى «أصدقاء الشعب السوري»، وتمّ تهميشه بعد تصدُّر مسار «أستانا» الذي تَقوده موسكو المشهد السوري، ونجاح هذا الأخير في وقف الأعمال القتالية وتمهيد الأرض للعمل السياسي، جاء هذه المرّة مدفوعاً بضغوط أميركية واضحة لإفشال التقدُّم الجديد لـ«أستانا»، على صعيد العلاقات السورية – التركية من جهة، والجهود المبذولة لإعادة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية من جهة أخرى، وهو ما أعلنت الولايات المتحدة رفضها الواضح له. وسبق الاجتماعُ الذي يضمّ مبعوثين من مجموعة دول وأطراف (معظمها معارضة لدمشق)، من بينها الاتحاد الأوروبي وقطر وبريطانيا، بالإضافة إلى ممثّلين عن «جامعة الدول العربية» والسعودية ومصر وتركيا ودول أخرى، اجتماعَ الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستنعقد في شهر أيلول الحالي، ما يفسّر استعجال واشنطن عقد ذلك اللقاء، والذي يهدف وفق مصادر سورية معارضة إلى التوصّل إلى موقف واحد وواضح بين الدول المناوئة لمسار «أستانا»، بعدما كثُر تباين مواقفها خلال الفترة الماضية.

وتابعت الصحيفة أنّ اللافت في الجهود الأميركية السياسية، ارتباطها بأخرى ميدانية تهدف إلى إعادة إحياء مساعٍ قديمة انتهت إلى الفشل، لتوحيد الموقف الكردي والتوصّل إلى اتفاق بين «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يقود «الإدارة الذاتية» والمدعوم أميركياً، و«المجلس الوطني الكردي» المدعوم تركياً. وأوكلت واشنطن هذه المهمّة إلى مبعوثها الجديد إلى مناطق «قسد»، نيكولاس جرانجر، خلَفاً للمبعوث الأميركي السابق، ماثيو بيرل، حيث تُعوّل الولايات المتحدة على قدرة جرانجر، الذي يتمتّع بخلفية عسكرية ويمتلك خبرة سياسية على خلفيّة عمله الطويل في الشرق الأوسط وباكستان، على تحريك الحوارات الكردية – الكردية.

وتقدّم الولايات المتحدة مغريات اقتصادية لأنقرة و«قسد»، بعد استثناء مناطق من سورية من عقوبات «قيصر». وتُعوّل واشنطن على أن يخلق ذلك نموّاً غير متوازن يخفّف الأعباء الاقتصادية عن تركيا ويقنعها بهذا المسار، الذي يَعتبره الأميركيون بوّابة لتشكيل حلف وازن بين القوى التي تسيطر على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، يمكنه التأثير بشكل فاعل في المفاوضات السياسية مع دمشق. وبالإضافة إلى ما تَقدّم، تسعى الولايات المتحدة، وفق مصادر سورية معارضة، إلى إيصال رسالة واضحة إلى الدول العربية بالموقف الأميركي الرافض للتطبيع مع دمشق، الأمر الذي تريد من خلاله إفشال المساعي التي تقودها دول عدّة، من بينها روسيا والإمارات والجزائر وسلطنة عُمان، لإعادة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية. وتُمثّل قطر، التي حضرت الاجتماع الأخير في جنيف، رأس الحربة في هذا السياق، ما يعيق، حتى الآن، الجهود المبذولة لانفتاح عربي كامل على دمشق.

ولا يزال من غير الواضح مدى قدرة الجهود الأميركية على التأثير على موقف تركيا، التي ستُجري على الأرجح مقارنة بين فوائد خطّة واشنطن التي تسعى إلى تثبيت الوضع الراهن من جهة، والجهود الروسية – الإيرانية للانفتاح على دمشق، من جهة أخرى. وتُظهر أنقرة، حتى الآن، رغبتها في مواصلة العمل وفق مسار «أستانا»، الذي يُفترض أن يحقّق لها مكاسب عديدة، أبرزها التخلّص من عبء اللاجئين، وإبعاد «خطر الأكراد» عن حدودها الجنوبية، وهي ملفّات باتت مستعجلة بالنسبة إلى أردوغان، الذي يستعد لخوض انتخابات رئاسية العام المقبل.

طريقك الصحيح نحو الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *