ملف الأسبوع من “غلوبال”: العلاقات السورية – التركية تتقدم بسرعة، فإلى أين تصل؟
خاص شبكة غلوبال الإعلامية – بديع عفيف
أولاً، تركيا تحاصر اللاجئين السوريين:
يجد لاجئون سوريون في تركيا هذه الأيام صعوبة كبيرة في تسجيل أطفالهم في المدارس التركية الحكومية، بسبب امتناع بعض مدراء المدارس عن قبول السوريين، بحجة عدم كفاية المقاعد دراسية. ورغم أن قانون «الحماية المؤقتة» ينص على حق اللاجئين السوريين في الصحة والتعليم المجاني، إلا أن قبول الأطفال السوريين قد تحدده رغبة المدير التركي في كثير من الأحيان. وبحسب تقرير القدس العربي، تتقاضى تركيا أساساً تمويلاً ضخماً من الاتحاد الأوروبي لقاء خدمات التعليم والصحة التي تقدمها للاجئين السوريين، حيث وقع الاتحاد الأوروبي وتركيا في آذار عام 2016، اتفاقاً للهجرة يقضي بأن تمنع تركيا اللاجئين من عبور بحر إيجة إلى اليونان بشكل غير قانوني مقابل أن تتلقى دعماً مالياً من الاتحاد. وفي صيف العام الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخصيص دعم مالي لتركيا بقيمة 4.18 مليار دولار لمواصلة استضافتها اللاجئين السوريين حتى عام 2024.
ووفق ما أكد عدد من الأهالي للصحيفة، فالأمر لا يتعلق بقانون محدد وإنما بمزاج ورغبة إدارة المدرسة… حيث ترفض بعض المدارس الخاصة المعتمدة من قبل وزارة التربية التركية تسجيل الأطفال السوريين، وهو ما يعزوه لاجئون سوريون إلى «التمييز والعنصرية» ضدهم من قبل الأتراك. ووفق أحد المعلمين السوريين، فإن أكثر ما يشغل بال الأهالي هو تعرض أطفالهم في المدارس للتنمر والعنصرية من قبل أقرانهم الأتراك، الذين تأثروا بدرجة أو بأخرى بالخطاب السائد في الشارع التركي المناهض للاجئين العرب.
وكانت وزارة التربية التركية، قد أكدت أن نحو 394 ألف طفل سوري /35 في المئة/ من الأطفال السوريين في تركيا، لا يذهبون إلى المدرسة. وأشارت الوزارة إلى أسباب عدة تمنع الأطفال من الالتحاق بالمدارس، أبرزها اختلاف النظام التعليمي في سورية عن مثيله التركي، ومساهمتهم في ميزانية الأسرة بعد التعليم الإعدادي، بسبب الحالة المادية الصعبة التي تعيشها الأسر السورية، والتفكير بالهجرة إلى بلد ثالث، إضافة إلى حاجز اللغة، والتغيّب الطويل عن المدرسة. ويعيش في تركيا نحو 4 ملايين لاجئ سوري، يتوزعون على غالبية الولايات، ويشتكون مؤخراً من انتشار خطاب الكراهية ضدهم في الشارع التركي.
وفي السياق، وطبقاً لفرانس برس، يخطط آلاف اللاجئين السوريين في تركيا لتنظيم قافلة حاشدة يسيرون بها إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب منظمي الحملة. ودعا المنظمون عبر قناة تلغرام عدد مشاركيها أكثر من 70 ألف شخص الراغبين بالانضمام للقافلة لتحضير أكياس النوم والخيام وسترات النجاة وعبوات المياه والأطعمة المعلبة ومستلزمات الإسعافات الأولية، للتخفيف من مشقة المسير على المشاركين فيه.
وعلّق خالد الجيوسي، في رأي اليوم، على “قافلة النور” التي تضم 60 ألف لاجئ سوري يستعدّون للهجرة من تركيا لأوروبا، قائلاً: يبدو أن أردوغان قد أخَلّ بجميع وعوده بخُصوص توفير حياة كريمة للاجئين السوريين على أراضيه؛ أو هؤلاء تحديدًا الذين “غُرّر” بهم وجرى دفعهم للثورة المزعومة على بلادهم وفقاً لأدبيات الدولة السورية؛ اليوم باتوا مُجرّد ورقة بأيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم من جهة، والمعارضة بأحزابها الستّة من جهةٍ أخرى، وكلاهما يُلوّح بالتخلّص منهم، حتى يضمن فوزه بالانتخابات الرئاسيّة منتصف العام المُقبل.
وتابع الكاتب: يتنبّه السوريّون فيما يبدو لهذا الوضع ليس بإرادتهم، وإنما بواقع مُعاملتهم من قبل الأتراك بطريقة عنصريّة، والتحريض عليهم بوسائل الإعلام، والمنصّات، وتحميلهم مسؤوليّة البطالة، وتراجع الأمن المجتمعي، إضافةً إلى ما تشهده تركيا من غلاء في الأسعار، وارتفاع التضخّم غير المسبوق (80 بالمئة)، وغلاء الإيجارات، هذا عدا عن تقييد تحرّكات السوريين بين الولايات التركيّة، وهذا كلّه يستدعي تحرّكاً سوريّاً جماعيّاً للسوريين المُتواجدين في تركيا، وتحت عُنوان الهجرة الجماعيّة نحو أوروبا؛ هذه الهجرة الجماعية إلى أوروبا عبر اليونان، تُثير الجدل، ويشوبها العديد من العقبات، وجرى إطلاقها عبر منصّات التواصل الاجتماعي، تحت اسم “قافلة النور”، ولكن لا أحد يعلم كيف سيكون مصير ونهاية تلك القافلة… خاصّةً في هذا التوقيت الذي بدأت تُعاني فيه دول أوروبيّة غلاء أسعار الطاقة، والأغذية، ومخاوف من أزمة غاز وشتاء قارس.
ويقول القائمون على القافلة هذه، بأنهم ليسوا مُهرّبين، ولا يسعوا خلف المال، بل إن هدفهم فقط مُساعدة السوريين على الهجرة عبر استخدام خرائط غوغل ما يطرح تساؤلات حول الجهة التي تقف خلفهم، وما هي دوافعها الإنسانيّة لتقديم هذه المُساعدة، وما إذا كان يجري استغلالهم للضغط من قبل أردوغان وحزبه على الاتحاد الأوروبي، وبهذه الأعداد المهولة؛ أمرٌ لافت آخر، هو أن القافلة طلبت في بيانٍ من الجميع الاستعداد لساعة الصفر، ولكن طالبت السوريين بعدم بيع بيوتهم، ولا أثاثهم، وأن يترك طريقاً للرجعة، فلماذا لا يعود هؤلاء باتجاه بلدهم سورية بدل طريق هجرة غير مضمون العواقب، حيث الأخيرة عبّرت مرارًا عن عدم مُمانعتها استقبالهم، وبدون تحقيق، أو مساءلة، وفي ظل ما يزعمه أردوغان من نوايا تطبيعيّة مع حكومة الرئيس الأسد.
وأشار الجيوسي إلى أنه في حال ألقت السلطات التركيّة القبض على المُشاركين في القافلة وهُم حصرًا من حملة الجنسيّة السوريّة، فإنها أيضاً ستكون مستفيدة، فهي وفق خبراء القانون، تستطيع رفع الحماية عنهم، وترحيلهم إلى الشمال السوري، ونظرا لأعدادهم المهولة المُشاركة في القافلة، فإن تركيا ستكون تخلّصت من عدد لا بأس به من اللاجئين السوريين، إلى جانب خطّة أعدّها أردوغان لإعادتهم.
وتحت عنوان: تركيا.. الخناق يضيق على اللاجئين السوريين، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن القلق يتزايد بين اللاجئين السوريين في تركيا وسط مواجهتهم صعوبات إدارية متزايدة في ظل تشديد السلطات التركية نبرتها تجاههم. وأضافت الصحيفة إن تصلب الخطاب السياسي في أنقرة ومخططات استئناف الحوار مع دمشق التي طرحتها السلطات التركية أدت إلى إعادة خلط الأوراق لكثير من السوريين الذين يعيشون في تركيا. وذكّرت لوموند بأن ثلاثة ملايين سوري يعيشون بشكل أساسي في المدن الكبرى التركية يستفيدون من وضع الحماية المؤقتة في هذا البلد، وقد تم تسجيلهم في مدينة إقامتهم ولا يمكنهم السفر إلا بتصريح سفر خاص، فيما تم، رسميًا، منح 211 ألف سوري الجنسية التركية في السنوات الأخيرة.
وبعد أحد عشر عامًا من التعايش، يُظهر السكان الأتراك الآن صراحة تعبهم. فبينما تغرق تركيا في أعمق أزمة اقتصادية، فإن الخطابات اللاذعة للقادة السياسيين القوميين ضد المهاجرين باتت أكثر فأكثر غير مقيدة. وتنقل لوموند عن جميع اللاجئين السوريين الذين التقتهم تأكيدهم بأنهم يشعرون بالقلق حيال التزايد الواضح للعداء تجاههم، موضحة أنه يتم تداول العديد من المعلومات الخاطئة، مما يؤجج التوتر. وذاك هذا هو الحال، على سبيل المثال، في حالة المساعدة التي يُفترض أن الحكومة التركية تمنحها للاجئين السوريين على حساب مواطنيها. ويتم التعبير عن التوتر في أصغر المواقف في الحياة اليومية كما هو الحال أثناء تصفية الحسابات.
وهكذا، تتابع لوموند، يشعر اللاجئون السوريون بضيق الخناق، إذ يقول العديد منهم إنهم يواجهون صعوبات إدارية عند تحديث وضعهم، ويمكن أن تؤدي المواعيد النهائية الطويلة بشكل متزايد المفروضة في بعض الأحيان إلى عمليات ترحيل تعسفية إلى الحدود وإمكانية فحص الشرطة بنتائج غير مؤكدة تثير الرعب بين أوساط اللاجئين. وفي النهاية، فالهدف هو إعادة “مليون سوري” كما أعلن أردوغان في أيار. هذا المشروع الضخم للعودة “الطوعية” – بحسب الخطاب الرسمي – يتشابك مع الاستراتيجية التركية المتمثلة في الترسخ في شمال سورية.
ثانياً، لن يبيع أردوغان الوهم مرّة أخرى:
ولفت عبد الباري عطوان في رأي اليوم، إلى أنّالرئيس أردوغان أعادَ تكرار لهجته التصالحيّة تُجاه الرئيس الأسد وحُكومته يوم الجمعة عندما أدلى بتصريحات إلى صحافيين كانوا على متن طائرته في بداية جولته في دول البلقان عندما قال ودُون مُناسبة “إن كفاح أنقرة ضد التنظيمات الإرهابية يشكّل ضمانًا لوحدة سورية وسلامة أراضيها”، وأضاف: “يجب علينا استخدام لغة القوّة التي تفهمها جيدًا” هذه التنظيمات. وتابع عطوان: الحكومة السورية، وبحسب مصدر لبناني مُقرّب منها، لا تثق بأقوال أردوغان، وتتعاطى معها بحَذرٍ شديد، وتريد ترجمتها إلى أفعالٍ على الأرض، أي؛ سحب جميع قوّاتها المُسلّحة من الأراضي السوريّة، وإنهاء حمايتها للجماعات المسلّحة في حلب وإدلب والحسكة.
ورأى عطوان أنّ إعادة العلاقات مع تركيا إلى صورتها الطبيعية التي كانت عليه قبل بدء الأزمة في آذار عام 2011 تتربّع على قمّة أولويّات القيادة السورية هذه الأيّام، وربما هذا ما يُفسّر قرارها الأخير بعدم المُشاركة في قمة الجزائر العربية القادمة، وإعفاء الرئيس عبد المجيد تبون من أيّ حرج يمكن أن تُسبّبه هذه المُشاركة؛ ولكن القيادة السوريّة تريد عودة العلاقات مع تركيا على أرضيّة صَلبة، وتفاهمات استراتيجيّة مُستدامة، وليس على أرضيّة التّكتيك، وبيْع الوَهم والشّعارات الصحافيّة الفارغة من أيّ مضمون.
وزاد المحلل: المعلومات المتوفّرة لدينا ومن المصادر المذكورة آنفًا تؤكد أن الوساطة الروسيّة بين الجارين السوري والتركي بدأت تُعطي ثمارها الأولية؛ أوّلها تكثيف الاتّصالات واللقاءات بين الوفود الأمنية، وإقامة مكتب مصالحة للحكومة السورية قرب إدلب، وإصدار عفو عام عن الآلاف من الأفراد والأسر والسّماح لهم بالعودة إلى مدينة خان شيخون، ومُدن أخرى، دون أيّ مُسائلة أو تحقيق، أو مُراجعة فرع أمني، ويتردّد أن الرئيس الأسد يقف شخصيًّا خلف هذه الخطوة. ولعلّ صمت السلطات التركيّة على الغارة الروسيّة التي استهدفت قاعدة عسكرية قيادية لجبهة النصرة في محيط إدلب، وقتْل ما يقرب من مِئة من عناصرها قبل أيام، أحد أبرز نتائج التفاهمات الثلاثيّة الروسية السورية التركية الجديدة.
وأضاف عطوان، بحسب مصدره: يبدو أن هناك قرارًا تركيًّا محوريا بالتخلي عن المعارضة السورية بشقّيها المدني والعسكري، ورفع الغِطاء عن الجماعات الإسلامية المقاتلة الأخرى، وإعطاء الضوء الأخضر لروسيا بالقيام بمهمة تصفية هذه الجماعات بالقوة، والغارة الروسيّة الأخيرة على قاعدة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) وإلقاء القبض على زعيمٍ كبير في “داعش” في إسطنبول هو أوّل الغيْث في هذا المِضمار. كما أنّ أردوغان يريد التخلّص من مِلف اللاجئين السوريين المقيمين على الأرض التركية الذي بات يشكّل ورقةً قوية في يد المعارضة التركية لإسقاط حكمه؛ وإذا صحّت التّقارير عن عزم أكرم إمام أوغلو رئيس بلديّة إسطنبول الذي يحظى بشعبيّةٍ كبيرة في تشكيل حزب جديد ومنافسة أردوغان في انتخابات الرئاسة القادمة بدعم من المعارضة، فإن هذه الخطوة الخطرة جدا ستدفع أردوغان للتقارب أكثر مع سورية التي يعتقد كثير من الخبراء الأتراك أنها تُفَضِّل أردوغان على المعارضة الأقرب للولايات المتحدة وخططها الإقليمية؛ لقاء أردوغان مع بوتين في قمّة طاجكستان الأسبوع المُقبل ربما يمهد لتفاهمات أُخرى والعودة إلى اتفاق أضنة عام 1998، وفتح طريق “إم 4” الذي يربط الشمال السّوري بالعاصمة دِمشق، ختم عطوان.
وكتب حسني محلي، في موقع الميادين: إذا اتفق أردوغان مع بوتين في سورية، فالطريق سيكون ممهداً أمامهما لتحقيق نقلة نوعية في العلاقة الشخصية بينهما، مع انعكاسات ذلك على العلاقة بين موسكو وأنقرة. واستعرض المحلل عدداً من تناقضات العلاقة الشخصية والرسمية بين بوتين وأردوغان، اللذين تراقب واشنطن والعواصم الغربية “غرامهما” عن كثب، باعتبار أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي منذ 70 عاماً، مثلما هي حليف استراتيجي لأميركا وحليفاتها في الغرب. وأضاف أنّ ذلك شجّع الرئيس بوتين على تقديم المزيد من التنازلات لأردوغان في سورية، منذ أن سمح للجيش التركي بدخول جرابلس في 24 آب 2016 بعد 50 يوماً من اللقاء التاريخي بين أردوغان وبوتين في بطرسبورغ؛ كما أضاء لاحقاً الضوء الأخضر للقوات التركية في مجمل عملياتها غرب الفرات وشرقه، وهو ما جعل تركيا عنصراً أساسياً في مجمل تطورات سورية – وما زالت كذلك – بما في ذلك اتهامات أردوغان للحليف الاستراتيجي أميركا باحتلال شرق الفرات ودعم الميليشيات الكردية، والمقصود بها وحدات حماية الشعب الكردية؛ الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي.
ولم تمنع كلّ هذه التفاصيل الدقيقة والمعقدة أردوغان من الجري وراء نيل الرضا الأميركي شخصياً، لضمان فوزه في الانتخابات القادمة، ما يتطلَّب العشرات من المليارات، قد قيل إنه حصل على بعضها من الرئيس بوتين بعد قمة سوتشي الأخيرة؛ وربما لهذا السبب، وللمرة الأولى، انحاز أردوغان إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية، وبشكل علني، واختار بلغراد حليفة موسكو مكاناً لإعلان موقفه هذا: “إنّ موقف الدول الغربية ليس سليماً، فالغرب ينتهج سياسات استفزازية ضد روسيا. وما دام الغرب مستمراً في سياسات التحريض والاستفزاز هذه، فلن يتسنى لنا التوصّل إلى أي نتيجة في مساعينا لإنهاء الحرب، فالغرب يرسل الأسلحة إلى أوكرانيا، ولكنها أسلحة قديمة…. أريد أن أقول لأولئك الذين يستخفّون بروسيا إنَّها ليست دولة يُستخف بها… الأمور واضحة والحقيقة بسيطة جداً. عندما عادى الجميع روسيا وهاجموها، استخدمت بدورها كلّ إمكانياتها وأسلحتها للدفاع عن نفسها. كما أنَّ بوتين على حقّ في موضوع تصدير القمح الأوكراني الذي يذهب إلى الدول الغنية التي تعادي روسيا، وليس إلى الدول الفقيرة، وخلافاً للاتفاقية التي وقعنا عليها في إسطنبول”.
وعقّب محلي: هذا كلام أردوغان، حليف زيلينسكي وبايدن والآخرين في الغرب والشرق، مثل إسرائيل، الذين يعادون الروس كلهم، أينما وجدوا، وخصوصاً في سورية؛ وإذا اتفق أردوغان فيها مع بوتين، فالطريق سيكون ممهداً أمامهما لتحقيق نقلة نوعية في العلاقة الشخصية بينهما، بانعكاسات ذلك على العلاقة بين موسكو وأنقرة.
وتابع المحلل: وجاء التوتر التركي – اليوناني الأخير مؤشراً جديداً قد يدفع أردوغان إلى مزيد من التقارب مع بوتين، الذي يعرف الجميع أنه لن يرحم حكام أثينا ونيقوسيا الأرثوذكس بعدما تآمروا ضده وضد روسيا الأرثوذكسية، ودخلوا في تحالفات سرية وعلنية مع واشنطن التي لم تتأخر في دعم أثينا في خلافاتها مع أنقرة في بحر إيجه وقضية قبرص التي تحظى بدعم باريس ولندن وبرلين؛ حلفاء واشنطن وأعداء أردوغان، على الأقل الآن، وخصوصاً بعدما رفض أردوغان إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية، ولم يلتزم بالعقوبات الغربية ضد روسيا، رغم إغلاقه مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية، في حال فكّرت في التوجه إلى سورية أو البحر المتوسط. وترك المحلل الباب مفتوحاً أمام عدد من الأسئلة، منها:
هل يثق أردوغان وبوتين بعضهما ببعض، وإلى أي حد ستكون هذه الثقة؟ وإلى متى ستدوم؟ السؤال وهل تكون سورية حقل تجارب للتأكّد من هذه الثقة (سواء كانت متبادلة أو من طرف واحد)، كما هي الحال في سكوت موسكو على العدوان الإسرائيلي المتكرر على مطاري دمشق وحلب، من دون أي ردّ فعل روسي عملي؟ وهل يفكّر أردوغان في إنقاذ تركيا من الصنارة الأميركية التي جعلتها رهينة القرارات والحسابات والمصالح الأميركية، بعد 75 عاماً من التحالف الاستراتيجي والعضوي بين أنقرة وواشنطن، وهل سينجح في ذلك؟
وختم محلي قائلاً: يعرف الجميع أن قرار أردوغان بالتصدي لهذه الحسابات لن يكون سهلاً إلا في حال واحدة، هي أن ينسى الماضي برمّته، باستثناء ما اتفق عليه مع بوتين في لقاء 27 حزيران 2016! هذا التاريخ الذي شهدت تركيا والمنطقة والعالم بعده الكثير من الأحداث المثيرة، والتي قد يقرر تحالف أردوغان – بوتين مصيرها، ما لم يتدخّل بايدن ويمنع أردوغان من ذلك قبل الانتخابات القادمة أو خلالها..!!
ثالثاً، أردوغان محاصر بالوقت والمصالح المتضاربة:
وسلّط ايلنار باينازاروف، في صحيفة إيزفيستيا الروسية، الضوء على أسباب التقارب بين أنقرة ودمشق. وكتب: سورية مستعدة لإعادة العلاقات مع تركيا، شرط أن تنهي أنقرة احتلالها لمناطق شمال سورية ولا تقدم الدعم للجماعات الإرهابية على الأراضي السورية؛ صرح بذلك رئيس اللجنة الدولية في البرلمان السوري، بطرس مرجانه. وفي وقت سابق، أشار الرئيس أردوغان إلى أن تركيا لا تسعى لعزل الرئيس الأسد، وأوضح وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو أن لا شروط مسبقة لاستئناف الحوار مع الدولة الجارة؛ وفي 11 آب، أوضح أوغلو الموقف أكثر، فقال: “أنقرة تدعم المصالحة السياسية بين المعارضة السورية و(نظام الأسد)”؛ هذا تغيير جذري في نهج القيادة التركية.
ويرى يشار نيازباييف، منشئ قناة الأجندة التركية على تلغرام، أن هناك تطورات إيجابية في العلاقات بين أنقرة ودمشق، وهي حقيقية، وأن لدى أردوغان الآن سببين رئيسيين للتقارب مع سورية: اللاجئون السوريون والانفصاليون الأكراد؛ في الموضوع الكردي، أوضح نيازباييف أن مهمة أردوغان الرئيسية هي تأمين حدود تركيا الجنوبية من قصف حزب العمال الكردستاني، الذي يختبئ مقاتلوه في شمال سورية. وقال: “في هذا الصدد، يتفق أردوغان والمعارضة على أن أفضل طريقة لتأمين الحدود الجنوبية ليس الغزو العسكري، إنما التفاوض مع دمشق”.
وبحسب الباحث السياسي التركي كريم هاس، فإن التقارب مع دمشق قد يكون ضروريا للرئيس أردوغان من وجهة نظر انتخابية. فقال: “أردوغان لا يعول على نتيجة في المستقبل القريب، ولا على استعادة كاملة للعلاقات مع سورية، إنما على إثبات أنه قادر على حل مشكلة اللاجئين في تركيا من خلال إعادة العلاقات مع دمشق”. في الوقت نفسه- بحسب هاس– لن يتسرع الزعيم التركي في الوفاء بوعوده- فببساطة لن يكون لديه وقت لذلك.
وأفادت صحيفة الأخبار اللبنانية، تحت عنوان: تردُّد في مقابَلة الخطوات السورية: تركيا لا تُفلِت ورقة الجولاني، أنّردّة فعل «هيئة تحرير الشام» العنيفة على محاولة مئات السوريين العبور نحو تركيا للانضمام إلى «قافلة النور» المُتّجهة إلى أوروبا، لم تكن مفاجِئة أو خارجة عن المألوف، بقدْر ما هي ترجمة للدور الذي يلعبه زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، بوصْفه حارس الحدود التركية ومستثمِرها. وانطلاقاً من هذه الصفة وما تستبطنه من أدوار و«امتيازات»، تجد أنقرة صعوبة في مقابَلة الخطوة السورية المتمثّلة في افتتاح مركز للمصالحة في إدلب، بخطوات مماثلة مِن قبيل افتتاح معابر إنسانية للنازحين واللاجئين، وذلك بفعل الخشية من تسرّب السكّان من «إمارة الجولاني» إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، مع ما يعنيه هذا من تهديد للمشروع الذي اشتغلت تركيا طويلاً على تنميته والاستثمار فيه..
وأوضحت الأخبار أنّ خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق، المدفوعة روسياً وإيرانية، تَطرح تساؤلات حول مآل الموقف التركي من الشبكة المعقّدة من المصالح، مقارنة بتلك التي سيحقّقها أردوغان من الانفتاح على سورية، سواءً لناحية التخلُّص من عبء اللاجئين، أو إبعاد «الخطر الكردي» عن الحدود التركية، وكلاهما ملفّان يمثّلان عنواناً رئيساً للصراع الانتخابي الرئاسي في تركيا. وبينما تقدّمت دمشق خطوة نحو أنقرة، عبر افتتاح مركز مصالحة خاص بإدلب في مدينة خان شيخون الأسبوع الماضي، لا تزال التحرّكات التركية المقابِلة خجولة، حيث لم يتمّ حتى الآن فتح معابر لمرور النازحين والراغبين في العودة إلى قراهم في ريفَي إدلب وحماة، أو الراغبين في الخروج من إدلب، وسط حديث عن استعدادات لفتح ثلاثة معابر من هذا النوع. والظاهر أن أنقرة تخشى، في حال اتّخاذ هكذا خطوات، تشريع الأبواب أمام حملة خروج كبيرة من إدلب، تُفقد «دويلة الجولاني» الصورة التي حاولت تركيا، ولا تزال، رسمها لها، خصوصاً أن تدفّق النازحين بدأ بالفعل من خلال معابر جانبية، سواءً من ريف حلب الشمالي أو حتى من بعض مناطق إدلب، وذلك بواسطة شبكات تهريب تُديرها فصائل معارضة.
وأردفت الأخبار، أنه وأمام هذه الظروف، يمكن فهم الظهور المتكرّر للجولاني في الآونة الأخيرة، وجولاته المستمرّة، ومحاولته «منْح» مزيد من الحرّيات لبعض الأقلّيات، إذ تبدو هذه التحرّكات مدفوعة بشكل مباشر من أنقرة، التي ترغب في ترسيخ شكل من أشكال الحياة المدنية في إدلب في أسرع وقت ممكن، بالتوازي مع السعي لطمأنة اللاجئين السوريين المقيمين هناك إلى أن ظروف إقامتهم لا تزال ملائمة، بما يضْمن استمرار «دويلة الجولاني»، ويمنع تسرّب الكثير من سكّانها في حال تمّ فتح المعابر الإنسانية. غير أن تلك المساعي لا تؤتي إلى الآن ثمارها بالنسبة إلى أنقرة، في ظلّ استمرار خروج العائلات إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية من جهة، والحشد الكبير الذي وجدته تركيا يقرع أبوابها سعياً للوصول إلى أوروبا، قبل أن يقمعه الجولاني، حارس الحدود التركية ومستثمرها، بالقوّة.
في المقابل، نقلت القدس العربي عن أربعة مصادر قولها إن رئيس المخابرات التركية عقد عدة اجتماعات مع مدير مكتب الأمن الوطني في دمشق، خلال الأسابيع الماضية، في مؤشر على تقدم جهود روسية لإذابة الجليد بين الدولتين. وقال مصدر إقليمي مؤيد لدمشق لرويترز إن رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركي هاكان فيدان ومدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك التقيا هذا الأسبوع في دمشق. ووفقا لمسؤول تركي كبير ومصدر أمني تركي، بحث مملوك وفيدان، الذي يعد أحد أبرز المقربين من أردوغان، خلال الاجتماعات الأخيرة احتمال عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين في نهاية المطاف. وقال المسؤول التركي: “تريد روسيا أن تتجاوز سورية وتركيا خلافاتهما وتتوصلا لاتفاقات محددة… تصب في مصلحة الجميع، بما في ذلك تركيا وسورية”. وأضاف أن أحد التحديات الكبيرة تكمن في رغبة تركيا في إشراك المعارضة السورية المسلّحة في أي محادثات مع دمشق. وقال المسؤول الأمني التركي إن روسيا سحبت تدريجيا بعض مواردها العسكرية من سورية للتركيز على أوكرانيا، وطلبت من تركيا تطبيع العلاقات مع الأسد “لتسريع الحل السياسي” في سورية.
وقال المصدر المتحالف مع دمشق إن روسيا حثت سورية على الدخول في محادثات مع أنقرة في الوقت الذي تسعى فيه موسكو لتأمين موقفها وموقف الأسد إذا اضطرت لنقل قوات إلى أوكرانيا. وقال المصدر إن الاجتماعات الأخيرة، ومن بينها زيارة قام بها فيدان إلى دمشق استمرت يومين في نهاية آب، سعت إلى تمهيد الطريق لجلسات على مستوى أعلى. وبينما تحدث فيدان ومملوك بالفعل على نحو متقطع خلال العامين الماضيين، فإن وتيرة وتوقيتات الاجتماعات الأخيرة تشير إلى وجود حاجة ملحة الآن للتواصل. وقال المصدر الإقليمي المتحالف مع دمشق إن الاتصالات التركية السورية أحرزت الكثير من التقدم، دون الخوض في تفاصيل. وقال مصدر إقليمي آخر متحالف مع دمشق إن العلاقات التركية السورية بدأت تتحسن وتتقدم إلى مرحلة “تهيئة الأجواء للتفاهم”.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة