من التربية إلى السياسة والاقتصاد
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
يقول المختصون إن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، لكن يمكننا القول إن التربية هي العلم والسياسة والاقتصاد، وهي التي تجعل الحياة أكثر عدالة من خلال إعداد الإنسان أخلاقياً وقانونياً وسياسياً واقتصادياً.
عندما كنا أطفالاً في الصف الأول الابتدائي في ستينيات القرن الماضي وقبل الدخول إلى صفوفنا كنا نردد في الاجتماعات الصباحية (قسماً بالنازلات الماحقات..وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر) وبقينا نعتقد بأن هذا النشيد هو النشيد الوطني لسورية، ولم ندرك أن نشيدنا الوطني هو (حماة الديار عليكم سلام) إلا في مراحل عمرية لاحقة.
وكان لذلك النشيد أثر كبير في تعميق الشعور القومي لدى الناشئة، فثورة الجزائر والمليون شهيد أعطتنا أنموذجاً حياً عن التضحية في سبيل مقاومة المحتل، وبذل الغالي والنفيس للحصول على الحرية، وفي سياق متصل وعندما هبطت المركبة الروسية على سطح القمر وحققت إنجازاً علمياً جنّ جنون أمريكا آنذاك فجمعت علماء الفلك والفيزياء والرياضيات والتربية والعلوم المختلفة، لمعرفة آرائهم حول الأسباب التي جعلت الاتحاد السوفييتي يسبق أمريكا في الوصول إلى القمر، فكان كل عالم يعزي السبب للاهتمام السوفييتي بالعلم المختص به، حتى وصلت إلى الحقيقة التي أكدها علماء التربية بأن الاهتمام في رياض الأطفال هناك هو الذي حقق لهم ذلك السبق العلمي.
التربية في سورية والمناصب فيها، وخاصةً منصب الوزير كانت تركز على السياسيين أكثر بكثير من تركيزها على الخبرة التربوية التي كان يتم تعويضها من خلال مديري المناهج والموجهين الاختصاصيين ممن لديهم باع طويل في التربية.
ومع أننا حققنا نتائج مهمة في السمعة العلمية والتربوية لحاملي الثانويات السورية الذين كانوا يحققون المراكز الأولى في الجامعات الغربية والشرقية في دول رأسمالية أو اشتراكية إلا أن العام 2000 شكل نقلة نوعية في اختيار منصب وزير التربية عندما تم تكليف الأستاذ الدكتور محمود السيد بعد مسيرة تربوية كأستاذ في كليات التربية في سورية والجزائر والكويت وغيرها، وكعميد لكلية التربية، وخبير في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وفي منظمات عربية أخرى، وخلفه الأستاذ الدكتور علي سعد الذي تميز بمسيرة علمية وتربوية داخل سورية وخارجها كأستاذ في كليات التربية وكعميد لكلية التربية في جامعة دمشق وتم اختياره وزيراً منذ عام 2003 وحتى بداية الأزمة ليؤطّر في هذه الفترة كل ما تراكم من خبرات تربوية وإدارية كانت عرفاً، حيث تم قوننتها، مستفيداً من خبرات سابقيه ومضيفاً لها مما اكتسبه خلال مسيرته التربوية، كما استطاع إطلاق “الفضائية التربوية” استناداً الى إمكانات محدودة أساسها مركز تقنيات التعليم التابع لوزارة التربية.
حتى أنه أدى القسم وزيراً بعد أن أداها الوزراء بعدة أسابيع، لأنه كان خارج القطر في إحدى جامعات سلطنة عُمان، وبعد أن أنهى التزاماته العلمية والتربوية هو حتى الآن لم يتخل عن رسالته التربوية، كما لم يتخل عنها، بل استمر في مهامه التربوية والعلمية لأنها الأساس.
وكذلك الدكتور محمود السيد الذي تولى حقيبة وزارة الثقافة لسنوات، ثم مشرفاً على الجهود الوطنية في تمكين اللغة العربية ورئيساً لمجمع اللغة العربية، وهو الآن على أعتاب الثمانين من عمره يعيش بكامل حماسه التربوي والبحثي وبتواضع وثقة، ومع أنه يحب الشاعر الجاهلي زهير ابن أبي سلمى لكنه غير مقتنع بقوله، “سئمت تكاليف الحياة ومن يَعش
ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم”.
وهنا نسوق هذا الكلام ليس لمديح علماء (بما فيهم) وإنما للتذكير بأن أي قرار تربوي جديد يحتاج إلى دراسة معمّقة، والعودة إلى رأي الكثير من أصحاب الخبرة والاختصاص لأن أي قرار تربوي له علاقة وتأثير مباشر أو غير مباشر على مناحي الحياة المختلفة، ولنا عميق الثقة بمسؤولي وزارة التربية الذين عودونا على الاهتمام بقضايا أجيالنا عبر الزمن وللحديث بقية.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة