من خارج الصندوق إلى السجن
خاص غلوبال – زهير المحمد
بعد غياب طويل التقيت أحد زملاء الدراسة وهو يضرب أخماس بأسداس، فسألته عن أحواله وسبب غيابه عن الأنظار منذ فترة، فقال: لقد كنت في الصندوق يا صديقي أفكر في الليل والنهار، لكن ذلك التفكير كان يشد أحوالي المعيشية إلى الخلف والأسفل، بعت كل مدخرات العائلة من ذهب وفضة، ثم بعت الخردة والزجاجات الفارغة والكراسي المكسورة، ومع ذلك تراكمت عليّ الديون والهموم، كما غابت معظم الوجبات الرئيسية والأساسية لاستمرار للحياة عن موائد العائلة، ولم يعد أحد في الأسرة يعجبه حالي.
وتابع الصديق: واليوم فوجئت بزوجتي والأولاد يعقدون اجتماعاً مغلقاً اتخذوا قراراً مهماً وفق رأيهم، ألا وهو إبعادي عن الصندوق لبيعه في أقرب وقت لبائع الخردة، قلت لهم: اتركوني وشأني خدوا الصندوق بيعوه كسروه أهدوه، أصلاً لم يعد لي فيه مصلحة ولا شيء عندي يمكن أن أخبئه لا مال ولا أغراض ولا ثياب، وتأكدت أن تفكيري ضمن ذلك الصندوق لم يقدم لي حلاً لأي مشكلة معيشية مهما كانت صغيرة.
فأجابوا إن ذلك لا يكفي لأن المطلوب منك الآن كربّ عائلة أن تفكر ليس خارج الصندوق، بل خارج البيت، وخجلوا أن يقولوها صراحة: إن عليّ أن أفكر خارج هذه الحياة.
وأردف الصديق: تأثرت وحزنت لموقفهم لكنني عذرتهم، إذ كانت حلول مشاكلنا تأتي بالتفكير من خارج الصندوق فلن انقطع عن ذلك، لكن المشكلة التي اصطدمت بها ووضعت عقلي في كفي أنني كلما سألت أحداً من أصدقائي ومن خصومي السؤال الذي يقض مضجعي، اكتشفت أنه يقض مضجعهم، وربما مضجعك أنت أيها الزميل القديم.
كيف أفكر خارج الصندوق؟هذا هو السؤال ولم أعثر على إجابة واضحة، وإنما عثرة على إجابات طريفة ومنها: هل بقي لديك صندوق حتى تفكر من خارجه، وإذا لم يمكن لديك هل تستطيع شراء صندوق من سوق المستعمل؟.
بصراحة والحق يقال لم يعد لدي تفكير أصلاً لأن حالة التفكير التي استنزفت قواي المادية والمعنوية جعلت همي الآن أن أجد مخرجاً لمواجهة الدائنين الذين يهددوني بالسجن إذا لم أسدد لهم التزاماتي المالية، ولا أخفيك أن بعضهم اقتنع بمنحي فرصة للتفكير خارج الصندوق، ولكن خلال أسابيع قليلة إذا لم أوفق بمن يدلني على طريق الصندوق والتفكير خارجه فإن الكثيرين حضّروا أنفسهم لجري إلى السجن غير آبهن بالصناديق ولا بالتفكير من داخلها أو من خارجها أصلاً.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة