نفس اقتصادي جديد!
خاص غلوبال – هني الحمدان
أخذ ويأخذ الواقع الاقتصادي الحيز الاكبر عند كل السوريين، وانعكاس ذلك الواقع على حال المعيشةوفي خضم تلك النقاشات الاقتصادية التي تعج بها الأوساط المحلية والمسؤولة أيضاً، يبرز صوت النقد كعنصر لا غنى عنه للحوار البناء والتقييم الذاتي، ولكن هناك فرق شاسع بين النقد الموضوعي الذي يعتمد على الحقائق والبيانات، والنقد الذي يستند إلى المواقف الشخصية والأهواء الذاتية، وهذا ما يبدو جلياً في الشكوك التي تُثار حول الأداء الاقتصادي وقصور السياسات والإجراءات الحكومية، وتحديداً التعاطي غير المريح مع مسائل الغلاء والتضخم الأخير الذي شهد قتامة وثقل ضاغط على حياة ومعيشة السوريين بات ملموساً للجميع.
من المهم الإشارة إلى أن الإجراءات الحكومية المتخذة على علاتها وأوجه قصورها ليست مجرد قرارات تم طرحها في الفراغ، وهذا ليس بمدح أو تبرير لواقع ظاهر ومعاش، وليس من باب لوساطات أو مغازلات كما يحلو للبعض التشكيك، بل التنويه للحقائق والواقع الذي تعمل في إطاره الدوائر الحكومية وأصحاب القرار، وعلى علة بعض الخطوات وقسوتها إلا أنها قد تكون خياراً، وأتت نتيجة جهود جادة من الحكومة لتحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي، ولكن الظروف كانت أصعب، وعانت منها اقتصادات دول عدة، ويجب أن نفهم أن عدم مواءمة السياسة الحكومية ليس نهاية المطاف، وحالة التأخير في سلك بوابات تؤدي إلى نهاية النفق ربما لن يطول كثيراً.
فالآفاق رحبة ومدعاة لهندسة وإعادة ترتيب الخطط في الشق الاقتصادي لتحقيق انطلاقة وانتعاشة إنتاجية صحيحة، وما يدور اليوم بأن نفساً اقتصادياً جديداً يلوح بالأفق، ماهو إلا خيار ستعمل وفق مقتضاه الدولة ومؤسساتها، وهو دعوة إلى مزيد من الجدية في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية ككل.
قد يقول قائل إن السياسات الاقتصادية والنقدية لم تكن بتلك السوية التي انسجمت مع متطلبات الظروف المعيشية والاقتصادية بصورة صحيحة، ربما اختلفت المعايير مع تغيير الاحتياجات، وهنا كانت النتيجة تأخراً في بعض الإصلاحات التي تُنفذ لتحسين البيئة الاستثمارية والإنتاجية، في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية المتردية التي عصفت بكل اقتصادات الدول.
لكن يبدو أن هناك من يفضلون تجاهل هذه الظروف والمتغيرات على الساحات المحلية والعالمية، ويصرون على تسليط الضوء على السلبيات، مستخدمين نشر الشك وعدم الثقة دون تقديم بدائل حقيقية أو حلول عملية، حيث يتبنى هؤلاء منهجاً يظهر تجاهلاً للتحديات الحقيقية التي تواجهها مؤسسات الدولة والعبء الاقتصادي، ولذلك إن مثل هذه الممارسات لا تُعزز من نهج التقييم الذاتي البناء، بل تضعف من عزيمة الإصلاح، وتبطىء من وتيرة التقدم الاقتصادي.
التحدي الحقيقي في كيفية التعامل مع بعض العقليات العقيمة التي لا تسهم في دفع عجلة الاقتصاد قدماً، كما يجب علينا أن نتجاوز مسائل المحاباة والوجهنة تلك الموروثات القديمة، وأن نعمل من أجل تعزيز المنهجيات الإصلاحية التي من شأنها دفع النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة للمواطنين، وبالإضافة لذلك يجب أن نفهم أن التقدم الاقتصادي يتطلب جهوداً مشتركة ورؤية طويلة الأمد تراعي كل الجوانب المؤثرة، من السياسة المالية وحتى الاجتماعية، ومن الضروري أن يكون تشخيص القضايا والإشكالات والسلوك المتبع تجاه ذلك مبنياً على أساس إستراتيجي يأخذ بعين الاعتبار الآثار طويلة المدى للقرارات الاقتصادية، وتقديم البدائل والحلول الفعالة التي يمكن أن تساهم في تخطي العقبات، واستغلال الفرص المتاحة لتحقيق تقدم حقيقي.
التحديات كبيرة ومقلقة مثل تراجع النمو وضعف الإنتاجية وقلة الاستثمار وتأثر كل منافذ الإيرادات، وهذا يحتاج إلى تحليل دقيق وحلول مستدامة تأخذ بعين الاعتبار كافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.
وليتذكر الجميع بأن الأمم لا تبنى بالشكوك والنقد الهدام، والمحافظة على أنماط وسلوكيات بالية والبقاء بترديد شعارات المصلحة العمالية وبعض المسميات التي يجب أن تتكيف المؤسسات حسب المتغيرات وماتقتضيه الثورة التكنولوجية والتصنيع المطلوب، لا المحافظة على عمالة باتت هرمة ولم تكن بالمستوى التقني المطلوب في عالم اليوم السريع، بل بالعمل الدؤوب والشفافية والنزاهة والحداثة والعصرنة للأعمال وللنشاطات مجتمعة، مع التفاني الشامل في خدمة المجتمع وكل مايعزز صدرة ومكانة ذلك.
الظروف تتغير وبخطا متسارعة، وهنا على الإدارات الرسمية أن تسعى لخلق بيئة إيجابية تشجع على الابتكار والمبادرة، وأن تعمل على تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة من خلال التواصل الفعال والمفتوح لننتقد، ولكن بروح البناء، مستهدين بالدروس المستفادة ومتطلعين إلى مستقبل مزدهر يرتكز على أسس صلبة من النمو الاقتصادي المستدام والعدالة الاجتماعية، فهكذا فقط يمكننا التغلب على المشككين والمطبلين، وإثبات أن الطريق الذي يجب أن نسلكه مجدداً هو الطريق الصحيح نحو تحقيق التقدم والازدهار.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة