نيران العدو “الصديقة”
خاص غلوبال – شادية إسبر
بيان رسمي واضح، نقلته وسائل اعلام العدو الإسرائيلي، صادر عن جيشه، يعلن “مقتل 20 من جنوده وضباطه بنيران صديقة في قطاع غزة؛ خلال العمليات العسكرية منذ الـ27 من أكتوبر الماضي”، ويضيف إن “عددهم ارتفع إلى 111 بين ضباط وجنود”.
أي أن خُمسَ قتلاه العسكريين منذ 27/10/2023 تاريخ بدء عدوانه البري على قطاع غزة، قتلوا برصاص إسرائيلي، ولم تتكلف المقاومة الفلسطينية عليهم رصاصة واحدة.
لن نخوض هنا في أرقام القتلى المعلنة إسرائيلياً، فهذا بات من المؤكد زيفه، كما من المؤكد أن الاحتلال يحاول التقليل من خسائره من جراء المواجهات الضارية مع المقاومة، المهم في هذا الإعلان اليوم قراءة الحالة التي هي عليها قواته في الميدان، فجيش الاحتلال هذا الذي عمل إعلامياً على مدى عشرات السنين لرسم صورة الأقوى والأكثر تنظيماً، يسقط مرة أخرى سقوطاً ميدانياً مدوياً.
بيان جيش العدو حاول تبرير قتلاه بنيرانه في ميدان غزة عبر أسباب هي: “العدد الهائل من القوات في الميدان، مدة القتال وطبيعته والإرهاق، وعدم الانضباط العملياتي، نقص التنسيق بين القوات، وأسباب أخرى”، ليعيش حالة إنكار واضحة عن حالة الرعب والهلع التي تسود بين صفوف قواته، فهذا “العدد الهائل من القوات في الميدان” فشل إلى الآن من تحقيق أي هدف من أهداف العدوان.
و”مدة القتال وطبيعته” يبدو أنها لم تكن في الحسبان، فالإسرائيلي (جندي وضابط) عاجز عن الاستمرار في ميدان لا يعرف من خبرات طبيعة القتال فيه ما يساعده على التمييز بين جنوده ومقاتلي المقاومة، فيحدد الهدف ويطلق النار، فيقتل قواته.
بينما لـ “الإرهاق الإسرائيلي” قصة أخرى، جنود الاحتلال المدججين بمختلف أنواع الأسلحة والأطعمة والإمدادات والدعم، والذين دخلوا إلى أرض سبق أن أحرقوها بقصف متواصل عنيف جواً وبراً وبحراً، مختبئين في دبابات وعربات مصفحة؛ يتفاخرون بصناعتها، كل هذا والجندي الإسرائيلي يعاني الإرهاق، مقابل مقاوم فلسطيني محَاصَر منذ عشرات السنين، يستخدم أسلحة صنعها بيديه، يخرج من تحت ركام منزله المدمّر، تاركاً خلفه زوجة وأطفالاً لا يعلم إن كانوا على قيد حياة، أو جوع أو عطش أو جراح، لكنه يعلم يقيناً عدالة قضيته وطريقه إلى مبتغاه، فلا يعاني الإرهاق بل يمضي بشموخ وعزيمة الأبطال.
أما في عبارتيّ بيان جيش الاحتلال “عدم الانضباط العملياتي، ونقص التنسيق بين القوات” دليل على ضعف المخطِط والمنفذ على السواء، فالقوات العاجزة عن الانضباط الميداني، والفاقدة للتنسيق، هي بالتأكيد خاسرة فاشلة مندحرة.
أما عبارة “الأسباب الأخرى” فتبدو الأكثر دقة، إنها بطولات المقاومة الفلسطينية، وانضباطها الميداني، ودقة التنسيق بين فصائلها، وإيمانها بإرادة انتصارها لاستعادة حقوق شعبها المسلوبة.
إعلان اليوم، كان سبقه تقارير إعلامية في كيان الاحتلال نُشرت يوم الجمعة الماضي، أكدت أنه “حتى الآن، أدت النيران الصديقة والحوادث العملياتية إلى إصابة أو مقتل العشرات من الجنود الإسرائيليين”.
تلك “النيران الإسرائيلية الصديقة” كانت قتلت أيضاً عشرات المستوطنين الإسرائيليين في مستوطنات غلاف غزة يوم بدء “عملية طوفان الأقصى”، وفق إعلام العدو ذاته، في تقارير كثيرة تناولتها جميع وسائل الاعلام، حيث أخفى جيش الاحتلال جميع تسجيلات الكاميرات التي تؤكد ذلك.
وبالنيران الإسرائيلية “الصديقة”، قتل أيضاً عدد من جنود ومستوطني الاحتلال الأسرى الذين تحتجزهم المقاومة الفلسطينية في غزة.
وبذات النيران الإسرائيلية، العدوّة هذه المرة، استشهد نحو 18 ألفاً و500 فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأصيب أكثر من 50 ألف فلسطيني في قطاع غزة.
إذاً بالنيران الإسرائيلية “الصديقة والعدوة”، يُقتل الجنود والضباط والأسرى الإسرائيليون، ويُقتل الفلسطينيون في الأحياء والمستشفيات والمدارس، وعلى طرقات النزوح القسري، وبها تُقتل كل مناحي الحياة في قطاع غزة المحاصر، فأي كيان غاصب هذا.
فـ “النيران الصديقة” الإسرائيلية أعادتنا بالذاكرة إلى “النيران الصديقة” الأمريكية في العراق عام 2003، حينها اخترع الأمريكي هذا المصطلح في بياناته عن قتلاه ومصابيه عند أي عملية استهداف عراقية تطال القوات الأنغلوأميركية التي غزت العراق ذلك العام، وخرجت منه مدحورة بنيران المقاومة أواخر العام 2011، ويبدو أن مصير القتلة الإسرائيليين كمصير الأمريكيين وهما شركاء “النيران الصديقة”.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة