واشنطن نقلت الصراع ولم تنههِ
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
على وقع استمرار المجزرة الإسرائيلية المتواصلة منذ ما يقارب الثلاثة أشهر في غزة، يتصاعد الحديث عن تخفيض القوات الإسرائيلية في القطاع وسحب خمسة ألوية من الاحتياط لإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي الذي أُصيب بالشلل على امتداد الأشهر المنصرمة، في وقت أعلنت البحرية الأمريكية عن سحب حاملة الطائرات “فورد” من المتوسط وإعادتها إلى قواعدها ربما لأن الإدارة الأمريكية قد وصلت إلى قناعة أكيدة مفادها أن العملية العسكرية البرية الإسرائيلية تراوح في مكانها، وأن الإيحاء بتبريد الأجواء قد يعطي فرصة أكبر للمفاوضات الجارية لإعلان هدنة مؤقتة وتبادل للأسرى، ناهيك عمّا عوضه التحالف غير الشرعي الذي شكلته أمريكا بذريعة حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
كما يُضاف إلى المشهد الحماس البريطاني لاستعراض قوته الاستعمارية والتهديد بضرب فصائل المقاومة التي تستهدف السفن الإسرائيلية أو السفن المتوجهة لدعم “إسرائيل”، وهذا يعني أن ثقل الوجود العسكري الأمريكي -الغربي لن يتأثر بسحب حاملة الطائرات لكنه يعني أن واشنطن تنقل ثقل الصراع إلى البحر الأحمر ومنطقة الخليج على اعتبارها منطقة تعدّ الأكثر حيوية للأطماع الأمريكية في منطقة تعتبر خزاناً للطاقة على مستوى العالم.
لكن كل ذلك التواجد العسكري الغربي في المنطقة المترافق بالاستفزازات العسكرية الإسرائيلية ضدّ لبنان، وسورية والضفة الغربية، لن يغير الحقيقة المقلقة للإدارة للأمريكية من تنامي قدرة قوى المقاومة في سورية والعراق ولبنان واليمن، ودورها المستقبلي في تغيير موازين الصراع في المنطقة باتجاه يهدد المصالح الأمريكية، ويهدد مستقبل الكيان الصهيوني الذي تعرّض لخطر وجودي غير مسبوق في عملية طوفان الأقصى التي أكدت أن “إسرائيل” قد تستطيع ممارسة القتل والتهديم والتهجير القسري لكنها لا تستطيع أن تدافع عن وجودها ولن تستطيع بعد العملية أن تقنع يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين المحتلة كمكان تستطيع فيه حكومات حربها أن تؤمن لهم الأمن، بل أكثر من ذلك فإن “إسرائيل” لم تعد تستطيع إقناع المستوطنين الذين لديهم جنسيات مزدوجة البقاء في فلسطين المحتلة، فمن المتوقع أن تتزايد الهجرة المعاكسة لهؤلاء.
إن ما يجري في المتوسط وفي البحر الأحمر وفي غزة والضفة الغربية، وتحريك القوات الأمريكية والأطلسية وتشكيل الأحلاف بذرائع مختلفة، يؤكد أن الإمبريالية العالمية تشعر بقلق كبير يتهدد نفوذها الذي فشلت القوة العسكرية بترسيخه، وربما نرى مستقبلاً طرح العديد من مبادرات السلام لتخدير الرأي العام ولإلهاء الناس سنوات طويلة بأوهام يستخدمونها للتحضير لحروب جديدة، والانتقال إلى خطط أخرى علها تعدّل من فشل مخططاتهم القديمة رغم كل الدماء التي سفكوها والخراب الذي نشروه والجوع والتجويع الذي يمارسونه على سكان المنطقة وعلى شعوب العالم بأسره.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة