تزوير العقارات “يتطور” إلى طرد الأهالي من بيوتهم “الخضراء”..فمن ينصفهم؟!
خاص حلب – رحاب الإبراهيم
نشطت شبكات تزوير العقارات خلال سنوات الحرب السوداء في مدينة حلب وغيرها من المحافظات، حيث بتنا نسمع عن تعدي تجار عقارات على ملكية بيوت ومحال تجارية والاستيلاء عليها بطرق ملتوية مستغلين هجرة أهلها، ولأن قوة القانون تحكم تم الكشف في مراحل مختلفة عن بعض الأشخاص المتورطين في هذه الأفعال المخالفة، التي ما كنت لتحصل لولا مشاركة بعض المسؤولين المتنفذين.
تجرأ هؤلاء التجار على سلب عقارات من مالكيها لم يقف عند هذا الحد، إذ وصل إلى مرحلة طرد أصحاب الدار من بيوتهم نتيجة الطمع بتأسيس مشروع تجاري يدر أرباحاً كبيرة على جيوبهم، وهذا ينطوي على فساد كبير وتعدٍ واضح على القانون، ما يفترض كشفه ورفع الصوت عالياً لإحقاق الحق ومنع أمثال هؤلاء من تجاوزاتهم المضرة باقتصاد البلاد وأمن مواطنيه.
حالات عديدة تدور في هذا الفلك المخالف، أبرزها لسيدة ثمانينية تدعى “نور اليمني” تعيش في عقار “طابو أخضر” رقم 2445 في منطقة الأشرفية بحلب منذ قرابة سبعين عاماً، وهذا المبنى مؤلف من طابقين يقطن فيه خمس عائلات، أي إن أكثر من عشرين شخصاً، سيتم طردهم من بيتهم القاطنين فيه منذ عقود طويلة، لمجرد رغبة تاجر عقار يملك بيتاً خلف هذا العقار، في إقامة مول تجاري، ما يستلزم هدم هذا البيت الذي تقطن فيه هذه السيدة وأولادها وأحفادها، وإزاحتهم من واجهة عقاره لبناء مشروعه، والأدق رقبة أنه لا ينوي تعويضهم بأي مسكن بعد رميهم في الشارع، فهل هذا التصرف يقبله عقل أو قانون، وهل بات قانون الغاب يحكم حتى نصل إلى هذا التمادي غير الإنساني.
تبدأ قصة هذا العقار منذ سنوات عديدة عند صدور قرار استملاك عدد من البيوت من أجل تعريض شارع في الأشرفية، وفعلاً وقتها عوض أهالي البيوت التي هدمت ونفذ المخطط بتعريض الشارع، ولم يتم الاقتراب من العقار رقم 2445، لعدم الحاجة إلى هدمه أساساً، ونتيجة ذلك أرجع إلى صفته الأساسية بموجب القرار رقم 61 واجتماع اللجنة الإقليمية، التي أوصت بإرجاع البيت إلى سكن أول، لكن شهية تجار البناء ظلت مفتوحة رغم إحقاق الحق، فعمدوا إلى إخفاء بعض الوثائق وتزوير أخرى بالتعاون مع بعض الموظفين في بلدية حلب، بغية تحقيق مرادهم بإنشاء مشروعهم التجاري، الذي يمكن إقامتهم بأي مكان في حلب طالما المال متوافر، فلماذا الإصرار على هدم هذا العقار ولاسيما أن المبالغ التي صرفت على شراء الذمم قد تكفي لإنشاء مشروع ضخم في أرقى المناطق.
أصحاب العقار ومالكوه الأساسيون يحاولون بكل الطرق إثبات أحقيتهم في منزلهم، وقد نجحوا في ذلك حتى الآن، لكن الخوف يسكن قلوبهم من تمكن التجار من سلبهم بيتهم، لذا ركنوا إلى القبول بالحلول الوسط عبر تعويضهم بمساكن بديلة شرط مماثلتها لثمن العقار، لكن حتى هذا الخيار تم التحاليل عليه، بعد إخبارهم بأن التخصيص سيكون في مناطق بعيدة عن المدينة مع دفع إيجار شهري لسنوات طويلة، فكيف يستوي ذلك وخاصة أن العقار رقم 2445 هو عقار نظامي، وتقدر قيمته بمليارات الليرات، هل يعقل إجبارهم على ترك بيتهم الواقع في وسط البلد وإعطائهم مساكن بديلة في مناطق بعيدة ودفع مبالغ طائلة أيضاً، فأين العدل في ذلك؟.
إصرار التاجر على هدم هذا العقار يستند إلى قرار بالهدم منذ عشرين عاماً من دون توجيه إنذار بالإخلاء للقاطنين، وهذه مخالفة صريحة أخرى ولاسيما أن القرار يفترض أن يسقط بالتقادم، كما أن العقار رفع عنه الاستملاك بموجب القرار رقم 61، وقد تمكن أصحاب العقار منذ أسبوع من الحصول على رخصة بناء لعقارهم من بلدية حلب تثبت ملكيتهم له، فكيف العقار مستملك ورخصة البناء لا تزال موجودة في السجلات بأسماء مالكي البيت.
المستغرب هنا تعاون بعض موظفي مجلس مدينة حلب مع التاجر الطامع في هدم العقار لتنفيذ مشروعه التجاري، وذلك عبر المماطلة باتخاذ الإجراءات القانونية للأوراق التي يقدمها أصحاب العقار والتأخير فيها لغايات في أنفسهم، مع اللجوء إلى طرق غير قانونية لهدم العقار، كإصدار إعلان ثانٍ لتعرض الشارع المعرض أساساً في عام 2012، حيث أصدر إعلان بهذا الخصوص ونشر في جريدة الجماهير المحلية، فلماذا يعرض الشارع مرة ثانية إلا إذا كان القصد أن يصبح الشارع أتوتستراداً أو ملعباً مثلاً، وهذا أمر عجيب لكن كما يقول إذا عرف السبب بطل العجب، فدسامة أرباح المشروع تدفعهم للقيام بهذه الأفعال من دون التفكير بمصير القاطنين فيه، مع أنه يفترض توجيه هذا الاهتمام في ظل ظروف العاصمة الاقتصادية الصعبة نحو هدم العقارات المخالفة المنتشرة بكثرة في مدينة حلب ومنها عقار التاجر الواقع خلف العقار رقم 2445، حيث بنى طابقين مخالفين، فلماذا لا ترى هذه المخالفة الواضحة ويعمل بهذا الثقل على معالجة المساكن العشوائية بدل طرد أصحاب البيوت من دارهم النظامي، سؤال نضعه برسم المعنيين في مدينة حلب، مع الأمل بإنصاف أصحاب الحق ومحاسبة الفاسدين.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة