وسام حضاري وديمقراطي على صدر الدولة

خاص غلوبال – محي الدين المحمد

أكثر من أربعين يوماً ومجموعات من المواطنين تتجمهر في مظاهرات بمدينة السويداء وفي بعض مناطقها، مع التقاط صور تلفزيونية وتسجيلات لأصواتٍ وشعارات وشتائم وتصرّفات تناقض تماماً كل الإرث الثقافي والحضاري لسكان الجبل الأشمّ من بني معروف المشهود لهم بالشجاعة والوطنية والأخلاق الأصيلة التي تترفع عن استخدام الألفاظ التي بتنا نسمعها بتسجيلات تتناقلها بعض الفضائيات التي راهنت على سقوط الدولة الوطنية في الأشهر الثلاثة الأولى من الأزمة التي اندلعت في منتصف آذار عام 2011، ولا تزال تلك الفضائيات تُعلّق الأوهام على أي حدث داخلي أو خارجي، وتهلوس بقرب سقوط سورية وكأنها “قشّة في مهبّ الريح”.

لقد أثار التعامل الحضاري من قبل الدولة السورية مع مظاهرات السويداء مزيداً من الاحترام على الصعيدين المحلي والدولي، واعتبر البعض أن عدم التدخّل الأمني من قبل الأجهزة المختصة وسام ديمقراطي على صدر الدولة، أعطى صورة إيجابية لم يكن يرغبها أو يتوقعها من يحاولون الاستثمار في بعض المظاهرات المطلبية المتعلّقة بالظروف المعيشية الصعبة التي تفاقمت بسبب الحرب الإرهابية على سورية وبسبب التدخل العسكري الأمريكي وسرقته لخيرات البلاد النفطية والغازية والغذائية، إضافةً إلى العقوبات الظالمة التى فرضها الغرب وأمريكا لتجويع الشعب السوري وإذلاله.

وهذا مايدركه جيداً أهلنا في السويداء الذين هبّوا بشيبهم وشبابهم منذ بداية الأزمة للدفاع عن البلد وقدّموا قوافل من الشهداء، كما قدّمت كل المحافظات السورية، وأكد أهل السويداء بأنهم أحفاد قائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش
الذي لم يفرّق في عمله الوطني بين حلب والسويداء أو بين درعا ودير الزور، بل كان الشعار الذي لم يحد عنه (الدين لله والوطن للجميع).

للأسف فإن بعض المستغلين لتلك المظاهرات المطلبية قد تجاوزوا كل حدود اللياقة وكل ما أكّدت عليه القيم الوطنية والأخلاقية، بتحريض خارجي وباستغلال مشبوه لصمت العقلاء في محافظة السويداء الذين يرفضون أن يستغل الخارجون عن القانون وعن القيم هذا التعامل الحضاري من الدولة التي طلبت من كوادرها الأمنية والحزبية عدم التدخّل لإنهاء تلك المظاهرات التي حولتها بعض الجهات الى منصة لإطلاق العبارات الخادشة للحياء وإلى رفع شعارات غير وطنية والتعرّض لرموز الدولة بما لا يليق بمكانة أهلنا في الجبل.

هناك جهات خارجية تحاول الانتقال بتلك التجمعات التي كانت مطلبية إلى أنشطة تخريبية وإسالة للدماء باستهداف بعض المشاركين أو قتلهم واتهام الدولة بجرائمهم لأن صبر الدولة وحكمتها في هذا التعامل الحضاري قد أفقدهم الأمل في إشعال مواجهة مسلحة بين من يقومون بالتظاهر والانتقال من مكان إلى آخر وبين الأغلبية العظمى من أهالي السويداء الذين لا يخفون تحيزهم للدولة الوطنية ومعارضتهم لكل الشعارات والشتائم والتصرّفات التي تسيء لفاعليها ولا تنسجم مع تقاليد وأعراف بني معروف.

إن الشتائم والألفاظ المقذعة والشعارات المنافية للأخلاق والوطنية تسيء للمتلفظين بها بالدرجة الأولى والإناء ينضح بما فيه، والأكيد بأن ذلك بات يقلق جميع الشرفاء في جبل العرب، وربما يدفعهم لاتخاذ مواقف أكثر صرامة لتحجيم مفتعلي الفوضى ومطلقي الشعارات المنافية للأخلاق والوطنية.

فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى وربما اقتنع ممولو ذلك الشغب بأن محاولاتهم وصلت إلى طريق مسدود، وأن اتصال مسؤول أمريكي من الدرجة الرابعة مع أي طرف أو إطلاق تصريح صحفي لن يغير في جوهر الانتماء العروبي لهذه المحافظة أو لغيرها.

والأمريكيون يعرفون قبل غيرهم أن ماتم ضخّه من أموال وإرهابيين وأبواق سياسية وإعلامية كان كفيلاً بإسقاط دولة عظمى لكنه لم يفلح في سورية بسبب تماسك البنية الوطنية لأبنائها ونبذهم لكل من يستعطف الغرب لتخريب الوطن وقتل أبنائه.

طريقك الصحيح نحو الحقيقة