انتصار قانوني يهدّد وجود الكيان
خاص غلوبال – محي الدين المحمد
بعد أن حبس العالم أنفاسه بانتظار قرار محكمة العدل الدولية ظهر ما ينتظرونه إلى العلن، صحيحٌ أن المحكمة لم تتخذ قراراً بضرورة وقف “إسرائيل” لإطلاق النار وهذا ما كان ينتظره جميع المتعاطفين مع مآسي الشعب الفلسطيني، لكن المهم أن المحكمة قد قبلت الدعوة المقدمة من جنوب إفريقيا ورفضت طلب “إسرائيل” رفض الدعوى، على الرغم من كل الضغوط الأمريكية والغربية على المحكمة لأن قبول الدعوى بحدّ ذاته يعتبر إقراراً من المحكمة بصحة الوثائق التي تضمنتها أوراق الدعوى التي تؤكد ارتكاب قوات الإحتلال الإسرائيلي جرائم الإبادة.
إن هذا القرار المبدئي تضمن توصيفاً للقتل والدمار والحالة الإنسانية لسكان قطاع غزة في ظل المعاناة من افتقاد الأمن والإغاثة والتهجير، وكذلك طلب المحكمة من “إسرائيل” أن تقدّم تقريراً تردّ فيه على الاتهامات في غضون شهر من الآن.
لقد كان وقع القرار صادماً على مسؤولي الكيان الذين اعتبروا أن إصدار المحكمة في أي وقت لاحق قراراً بوقف إطلاق النار يهدد وجود “إسرائيل”. وهذا موقف ليس مستغرباً من كيان وجوده مرتبط بجيشه المجرم وبحروب إبادة متكررة منذ نشأته، بل يرفض مسؤولوه كل المبادرات وقرارات الشرعية الدولية، بما فيها حل الدولتين، أو أي حل عادل للقضية الفلسطينية، لدرجة أن وزير خارجية “إسرائيل” قد اقترح على الاتحاد الأوروبي -الذي أراد تجديد طرحه لمبادرة سلام في المنطقة تستند إلى حل الدولتين- وبكل صفاقة أن يتم بناء جزيرة في البحر لتهجير الفلسطينيين إليها، وهذا ليس كلاماً آتياً من الفراغ، وإنما يستند إلى وجهات منظّري الكيان الذين يرون أن أمنهم لن يتحقق إلا بتهجير كامل السكان الفلسطينيين من الضفة والقطاع.
إن صدور القرار يعتبر بلا شكّ بداية مهمة على طريق انتصار القانون الدولي، وعلى الرغم من أنه لا يرقى إلى مستوى تعاطف الرأي العام العالمي، إلا أنه فعلاً يمثل نقطة مهمة على طريق نزع الغطاء السياسي عن “إسرائيل” وعن داعميها، كما يجسّد ملل الغرب من استهتار “إسرائيل” المتكرر و المتفاقم بكل القوانين والمواثيق الدولية.
كما أن هذا القرار لن يوقف الإجرام الإسرائيلي، بل تبعه تصريحات لنتنياهو أكد فيها أن “إسرائيل” ماضية بحربها، رافضاً ما تضمنه قرار المحكمة أمام ذلك كله فإنه على جميع الدول المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني أن تتحرك سياسياً خلال هذا الشهر الذي حدّدته المحكمة لـ”إسرائيل” لتقدم تقاريرها بشأن الحرب، وعلى الدول العربية أن تقطع علاقاتها مع “إسرائيل”، أو على الأقل أن تعلق تلك العلاقات تماشياً مع نصرة القانون الدولي؛ فصراعنا مع “إسرائيل” هو صراع عسكري وقانوني وإنساني وعلى كل الصعد، وعلينا أن نستثمر أي خرق وأي سبب يزيد من فضح “إسرائيل” ويزيد من عزلتها الدولية.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة