الحلم ينفع في بعض الأحيان!
خاص غلوبال – سامي عيسى
قبل البدء في الحديث عن موضوع زاويتي الاقتصادية لهذا اليوم، والتي اخترتها لأعود في ذاكرتي إلى الوراء قليلاً، وهذا القليل ليس بالبعيد بل لعقود مضت، أهل جيلنا وما قبلنا يعرفون الكثير من تفاصيلها، وخاصة ما يتعلق “بالتدخل الإيجابي” هذا التفصيل المهم الذي كان يتغنى به الجميع” حكومات وأفراداً” رغم محدوديته وضعف قدراته، لكنه كان يحمل الكثير من معاني التدخل في معيشة المواطن، عبر مؤسسات ضخمة كان اسمها يحكي عنها، وتصرفاتها ووصولها إلى كل بيت، لا يعنيها “فقيراً أم غنياً” لأن الجميع كان تحت مظلته، وخير دليل رغيف الخبز، والبطاقات التموينية، التي تفرد قصصها في كل منزل.
وهذا لم يكن يومها حلماً حتى نستيقظ منه، بل كان حقيقة، لكن اليوم كل ذلك أصبح حلماً، والكثير من الأسر السورية تحلم بعودتها، وتساند كل جديد يساهم في تحقيقه، لأن ما يحصل اليوم لهذا التفصيل الاقتصادي، خرج عن المألوف، ولم يبق منه إلا القليل، وأكثره حطاماً لا يقوى على شيء.
وبرأي أكثر المساهمين في الوصول لما هو عليه الآن، هو الجانب الإداري وتغيير النمط الاقتصادي، وفلسفته الخاصة وتغيرها بفعل الظروف، ورياح التغيير في السلوك الاجتماعي والاستهلاكي خلال المراحل المتلاحقة، والتي سبقت سنوات الحرب الكونية على سورية، التي دمرت معظم مقدراتها الاقتصادية والاجتماعية، وكشفت الكثير من نقاط ضعفها من جهة، وطريقة التعاطي مع تداعيات الأزمة على كافة المستويات من جهة أخرى، وهذا الأمر ليس بخاف على أحد، والجميع يتلمس تداعياتها، أكثرها في ميدان الاقتصاد ومعيشة المواطن، وطريقة تعاطي التدخل الإيجابي فيها، وحالة الانحدار الكبير الذي وصلت اليه الأسر السورية في مستويات معيشتها، ومصادر تأمينها.
وهذا بدوره يفرض معادلات جديدة، تؤكد أهمية عودة القطاع العام بكافة مستوياته الإنتاجية والإدارية، للتموضع ضمن تركيبة الاقتصاد الوطني الفاعلة، وترك نظريات التغيير التي حملت تغييرات جذرية في العقلية والسلوك تأثر بها الجميع، دون نتائج إيجابية ترضي ليس المواطن فحسب، بل حتى القائمين على إدارة التخطيط والتنفيذ، لأن ما يحصل على أرض الواقع من تداعيات سلبية، تفوق قدرة كل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية على استيعابها، وخاصة ما يتعلق بمكونات المعيشة وحالات التدخل الإيجابي التي باتت تتجه بكليتها إلى عالم المنسيات، وهروبها من روزنامة الدعم الحكومي الواحدة تلوى الأخرى، لأسباب مختلفة، أهمها ضعف الامكانات وسرقة الموارد من قبل الاحتلالين “الأمريكي والتركي” إلى جانب الفساد الخطر الأكبر الذي يهدد بفقدان ما تبقى.
والذي قادنا للحديث عن ذكريات الأمس وما حمله التدخل الإيجابي خلال العقود الماضية، هو ما يحصل الآن من حالة ضياع وتشتت لهذا المكون والذي استنزف خزينة الدولة، دون تحقيق أي فوائد على أرض الواقع، وخاصة لجهة المواطن، بدليل تردي مستويات المعيشة، وضعف الامكانات في مجاراتها بدليل، رغيف الخبز وما وصل اليه، من تشتت وضياع في طريقة الحصول عليها، والمازوت ورسائل الانتظار بغض النظر عن حجمها، بطاقة تكامل التي احتلت أماكن بطاقات التموين السابقة، دون رصيد فهي تحمل كل المواد الأساسية من سكر ورز وزيت وسمنة وبرغل وقصص كثيرة، والواقع لا شيء مجرد برنامج يذكرنا بالتدخل الإيجابي وأمجاد مؤسساته السبع، التي كانت متواجدة في كل بيت، ويعيد الذاكرة إلى الميدان،”بحلم” عودة تلك الأيام رغم قساوتها وصعوبة توفير مقدراتها.
وهذا مجرد جانب بسيط يحاكي الواقع بمقارنة بسيطة بين “ما كان، وما يحصل الآن” لنقف جميعاً أمام هول ما حصل من نتائج لمكون اقتصادي كبير، شغل أهميته مساحات واسعة على امتداد وطن، وتقلص دوره ليشمل مساحة ضيقة، ضاعت كل مفرداتها، نتيجة اختزالها بمؤسسة واحدة، كل الأماكن تشهد لها بحالات الضعف والتراجع المستمر في الأداء وتقديم الواجب.
وهنا لانحملها تبعات كل شيء، لابد أن نلتمس لها العذر، ونقدر طبيعة الظروف، واكتفي بعذر الحرب والحصار الاقتصادي وفساد التجار وغير ذلك كثير.
والسؤال اليوم ماذا ترك لنا هؤلاء من مكون التدخل الإيجابي، ذكريات تأخذنا إلى عالم الماضي الذي يعيد ذاكرتنا بقصص التدخل وحكاياتها في كل بيت، رغم بساطتها، لكنها كانت بلسماً لجراح المعيشة، ولا بأس اليوم ببعض الحلم، لأنه قد ينفعنا في كثير مما نحن فيه.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة