حليب النان والتبصير بالفنجان
خاص غلوبال – زهير المحمد
يبدو أن المستهلك يحتاج إلى فتح الفنجان قبل أن يذهب إلى أي مكان ليتأكد من قدرة المبلغ الذي صره لغدرات الزمان، ووضعه في جيبه بكل سرية وكتمان ليشتري لطفله علبة حليب نان.
لكن الأسواق والصيدليات ليس لها في التسعير أمان، والمئة ألف التي كانت تشتري له العلبة قبل رمضان باتت تحتاج إلى ثلاث قطع أخرى من فئة الخمسة آلاف، لأن سعر العلبة ارتفع خمسة عشر ألف ليرة لا غير، مع أن سعر الأخضر الذي يسود وجوه الناس لم يرتفع بل انخفض ولو بشكل طفيف، وتحويلات السوريين من خارج القطر كانت في أحسن حالاتها.
وعلبة حليب النان لمن لا يعرف من الأحباب والخلان لاتكفي الرضيع أكثر من أسبوع، أي أنه يحتاج بالشهر أربعمئة وستين ألف ليرة كثمن الحليب، وربما يحتاج لمبلغ مماثل للسيرلاك والحفاضات والكولونيا والبودرة، بمعنى أنه يحتاج إلى مليون ليرة شهرياً إذا كانت الأسرة اقتصادية، واستخدمت له ألبسة شقيقه الأكبر أو تمت الاستعانة بثياب أولاد الأقرباء والجيران.
المشكلة كبيرة، وكل يوم ترى الأسرة أمام ارتفاع جديد لتكاليف الحياة، والأسرة التي كانت تحتاج إلى ضعفي دخلها بمساعدة من الغير، باتت تحتاج إلى خمسة أضعاف ذلك الدخل المتواضع الذي بالكاد يكفي الموظف كأجور مواصلات وفق مايؤكده خبراء الاقتصاد، والمشكلة الأكبر أن العاملين بأجر وضعوا الملح عالجرح وقرروا أن يصبروا ويصابروا ويكونوا عوناً لبلدهم حتى يتجاوزوا هذه الأزمة التي سببتها الحرب الكونية والحصار والعقوبات، لكن أصحاب المليارات الذين يملكون الجواهر والعملات والمتاجر والعمارات والسيارات لم ولن يتركوا وسيلة إلا واستخدموها لسحب كل ما لدى المستهلك من رواتب ومدخرات ومساعدات، وفق عمليات تسعير لا تخضع لأي قانون أو اعتبار، وما قلناه عن حليب النان يمكن تعميمه على كافة السلع الصيدلانية بما في ذلك مشط السيتامول الذي كان يعطينا إياه الصيدلاني على رأس البيعة أو لعدم توافر فراطة من فئة العشر ليرات مع لواصق طبية باتت الآن بعدة آلاف ليرة.
القضية كما قلنا لم تعد تتعلق بسعر صرف الليرة أمام العملات الأخرى فقط، وإنما بات لكل طريقته لزيادة العبء على أصحاب الدخل المحدود الذين فاقت المعاناة كل ما لديهم من طاقات على التحمل.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة