أكلة “الدراويش” ملك الكبة “الصقاقية” يحافظ على أسعاره رأفة بالفقراء… مواطنون لـ«غلوبال»: بديل مشبع يناسب أجورنا القليلة
خاص غلوبال – رحاب الإبراهيم
لم يعد الحلبيون قادرين على شراء الوجبات السريعة بعد غلاء أسعارها الكبير كالسابق، فحتى “الفلافل”، الأكلة الشعبية والمعروف بأنها “مأكول الفقراء” أصبحت غير متاحة.
ورغم هذا الواقع المعيشي الصعب، ظلت بعض الخيارات متاحة يلجؤون إليها، كالكبة “الصقاقية” الأكلة الشعبية التراثية، كبديل مشبع ورخيص للفقراء و “الدراويش” وأصحاب الأجور القليلة.
“ملك الكبة” الأكثر شهرة
ينتشر باعة الكبة “الصقاقية” في مناطق مختلفة من مدينة حلب، لكن بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور انتشرت ظاهرة بيع هذه الأكلة على بسطات متنقلة لتحصيل قوت العيش، إلا أن الكبة “الصقاقية”، التي يصنعها “ملك الكبة” كما يلقب تعد الأكثر شهرة على الإطلاق، فالعديد من أبناء حلب من مناطق بعيدة في مدينة حلب وريفها وأبناء المحافظات الأخرى يقصدونه لتناول سندويشة الكبة مع كأس “عيران” بارد، لطعمها الشهي المشغول على أصولها وسعرها الرخيص مقارنة بأسعار الوجبات السريعة الأخرى.
يصنع “ملك الكبة” الكبة الصقاقية في زاوية صغيرة قرب سوق باب جنين الشعبي، جانب حائط سور حي العقبة الواقع في مدينة حلب القديمة.
مهنة تراثية
يقول عزو قزاز “ملك الكبة” في حلب لـ«غلوبال»: ورثت مهنة الكبة الصقاقية أباً عن جد، حيث نعمل في هذه المهنة منذ 150 عاماً، ولم نترك هذا المكان طيلة هذه الفترة، وحتى سنوات الحرب بقينا نبيع الكبة ونقدمها بأسعار مناسبة للفقراء، واليوم أورث هذه الحرفة لأولادي للمحافظة على هذه الأكلة التراثية الشهيرة”.
ويضيف: يقصدنا الزبائن من كل مناطق حلب والمحافظات الأخرى، فهذه الأكلة اقتصادية ومشبعة ورخيصة الثمن ونظيفة.
يشاركه في صنع الكبة “الصقاقية” أخوه ماهر قزاز وأبناؤه، لتكون حرفة عائلية بامتياز، فيقول لـ«غلوبال»: أعمل في هذه المهنة منذ ثلاثين عاماً حينما كانت تباع سندويشة الكبة بعشر ليرات، بينما كانت تباع على زمان أبي وجدي بالقروش.
ويوضح سبب عدم رفع أسعارها كغيرها من المأكولات الشعبية: زبائن هذه الأكلة هم من الفقراء والدراويش، لذا رحمة بأحوالهم المعيشية الصعبة لم نرفع أسعار هذه الأكلة التراثية، وأيضاً للمساهمة في الحفاظ على مهنة أبنائنا وأجدادنا.
مسامير الركب
وبمعزل عن كونها أكلة اقتصادية يتحدث ماهر قزاز عن فوائدها الصحية فيقول: تسمى “مسامير الركب”، فمكوناتها المؤلفة من البرغل والشحمة والخضر المقلية تحوي مغذيات وفوائد صحية كثيرة.
ويعلق قزاز عن البساطات الجوالة التي تبيع الكبة الصقاقية بلهجته الحلبية: “مو كل من صف صواني صار حلوني”، هم جديدون على المهنة ولا يصنعونها على أصولها، ورغم أنهم يبيعونها بسعر أرخص لكن غالباً يعود الزبائن الذين يشترون من هذه البسطات إلينا”، مبيناً أن الطلب على الكبة الصقاقية يخف في الصيف بسبب طعمها الحار بينما يكثر شتاء.
أكلة الدراويش
تسمى الكبة “الصقاقية” أساساً بـالـ”صاجية” وتشتهر بها مدينة حلب تحديداً، لكن نتيجة بيعها في الأزقة أصبحت تسمى أيضاً بـ”الصقاقية”، وعادة تصنع من البرغل ويضاف إليها شحمة مع بهارات الكبة منزلياً، وهنا يتحدث الحرفي أحمد عيسى عن كيفية تصنيعها فيقول: بعد إعداد أقراص الكبة في البيت، تقلى الخضر مع الفليفلة الحارة والبصل، لتضاف إلى السندويشة مع البقدونس وغيرها من الخضر حسب الطلب”.
تتحدث عائشة أم محمود كما عرفت عن نفسها عن أسباب تفضيلها أكل الكبة “الصقاقية” من عند “ملك الكبة”، رغم سكنها في منطقة سيف الدولة البعيدة عن منطقة باب الجنين، فتقول”: أعد الكبة الصاجية في البيت، لكن أحياناً أقصد هذا المكان لتناولها، كونها طيبة الطعم وأوفر ونظيفة أيضاً.
يتفق معها الشاب الأربعيني محمد القاسم القادم من مدينة حماة لشراء بضائع لمحله من مدينة حلب، فيقول: كلما قصدت مدينة حلب، آتي إلى هذا المحل لأكل الكبة، ليس بسبب سعرها الرخيص فقط وإنما طعمها الشهي ونظافتها، فهي مشغولة على الطريقة الحلبية، التي لا يمكن لأحد صنعها كما يعدونها.
ويذهب الرجل السبعيني عبد الرحمن عمر من ريف حلب في ذات الاتجاه ليقول عن سبب قدومه وقطعه هذه المسافة الطويلة لتناول سندويشة الكبة: أكلة شعبية وطيبة ورخيصة، هذا ما يهمنا نحن الفقراء والدروايش”.
طريقك الصحيح نحو الحقيقة